تحترز عن الألفاظ الغريبة الوحشية والمجازية البعيدة والمشتركة المترددة، واجتهد في الإيجاز ما قدرت وفي طلب اللفظ النص ما أمكنك، فان أعوزك النص وافتقرت إلى الاستعارة فاطلب من الاستعارات ما هو اشد مناسبة للغرض واذكر مرادك به للسائل. فما كل أمر معقول له عبارة صريحة موضوعة ولو طول مطوّل أو استعار مستعير أو أتى بلفظ مشترك وعرف مراده بالتصريح أو عرف بالقرينة، فلا ينبغي أن يستعظم صنيعه ويبالغ في ذمه إن كان قد كشف الحقيقة بذكر جميع الذاتيات، فانه المقصود وهذه المزايا تحسينات وترتيبات كالأبازير من المقصود. وإنما المتجادلون يستعظمون مثل ذلك ويستنكرونه غاية الاستنكار لميل طباعهم القاصرة عن المقصود للأصل والتوابع، حتى ربما أنكروا قول القائل في حد العلم إنه الثقة بالمعلوم أو إدراك المعلوم من حيث أن الثقة مردًدة بين العلم والأمانة، وهذا المعترض مُهوَّس، فإن الثقة إذا قرنت بالمعلوم تعيق فيه جهة الفهم، ومن قال حد اللون ما يدرك بحاسة العين على وجه كذا وكذا فلا ينبغي أن ينكر هذا لأن العين قد يراد بها الذهب والشمس، فإنه مع قرينة الحاسة ذهب الإِجمال وحصل التفهم الذي هو طلب السؤال. واللفظ غير مراد بعينه في الحد الحقيقي إلا عند المترسم الذي يحوم حول العبارات فيكون اعتراضه عليها وشغفه بها.
القانون الرابع: في طريق اقتناص الحد: اعلم أن الحد لا يحصل بالبرهان لأنا إذا قلنا حد الخمر أنها شراب مسكر فقيل لنا لم كان محالاً أن تطلب صحته بالبرهان، لأن قولنا حد الخمر أنها شراب مسكر دعوى هي قضية محكومها الخمر وحكمها أنها شراب مسكر. وهذه القضية إن كانت معلومة بغير وسط فلا حاجة إلى البرهان وان لم تعلم وافترقنا إلى وسط وهو البرهان كان صحة ذلك الوسط للمحكوم عليه وصحة الحكم للوسط كل واحدة قضية واحدة،