فبماذا نعرف صحتها؟ فإن احتيج إلى وسط آخر تداعى إلى غير نهاية وان وقف في موضع بغير وسط فبماذا نعرف في ذلك الموضع صحته فلنتخذ ذلك طريقاً في إدراك الأمر. مثاله لو قلنا حد العلم إنه معرفة فقيل لِمَ، فقلنا لأن كل علم فهو اعتقاد مثلاً وكل اعتقاد فهو معرفة فيقال ولِمَ قلتم كل علم فهو اعتقاد ولِمَ قلتم إن كل اعتقاد فهو معرفة فيصير السؤال سؤالين. وهكذا يتداعى، بل الطريق أن النزاع إن كان فيه من خصم فيقال صحته عرفت باطراده وانعكاسه فهو الذي يسلّم الخصم به بالضرورة. وأما كونه معرباً عن تمام الحقيقة فربما يعاند فيه ولا يعترف به، فان منع اطراده وانعكاسه على أصل نفسه طالبناه بأن يذكر حد نفسه، وقابلنا أحد الحدين بالآخر وعرفنا الوصف الذي فيه يتفاوتان من زيادة أو نقصان وجرّدنا النظر إلى ذلك الوصف وأبطلناه بطريقة أو أثبتناه بطريقة، مثاله إذا قلنا المغصوب مضمون وولد المغصوب مغصوب فكان مضموناً، فيقول الخصم نسلّم أن المغصوب مضمون ولكن لا نسلم أن الولد مغصوب، فنقول الدليل على أنه منصوب أن حد الغصب قد وجد فيه، فإن حد الغصب إثبات اليد العادية على مال الغير وقد وجد، وربما يمنع كون اليد عادية وكونه إثباتاً بل يقول هو ثبوت، ولكن ليس ذلك من غرضنا بل ربما قال أسلّم أن هذا موجود في الولد ولكن لا أسلمّ أن هذا حد العصب، فهذا لا يمكن إقامة البرهان عليه إلا أنا نقول هو مطرد منعكس فما الحد عندك، فلا بد من ذكره حتى ننظر إلى موضع التفاوت فيقول بل حد الغصب إثبات اليد المبطلة المزيلة لليد المحقة، فنقول قد زدت وصفاً وهو الإِزالة. فلننظر هل يمكننا أن نقدر اعتراف الخصم بثبوت الغصب مع عدم هذا الوصف، فان قدرنا عليه كان يقول الزيادة محذوفة، وذلك بأن يقول الغاصب من الغاصب يضمنه المالك، وقد أثبت اليد العادية وما أزال المحقة بل المزال لا يزال، وكان الأول قد أزال اليد المحقة فهذا طريق قطع النزاع، وأما الناظر مع نفسه فإذا تحرّر له الشيء. وتلخص له اللفظ الدال على ما تحرّر في ذهنه علم أنه واجد للحد.
القانون الخامس: في حصر مداخل الخلل في الحدود: وهي ثلاثة فإنه تارة يدخل من جهة الجنس وتارة من جهة الفصل وتارة من جهة أمر مشترك بينهما. إما الخلل في الجنس فأن يؤخذ الفصل بدله كما يقال في حد العشق أنه إفراط المحبة، وينبغي أن يقال المحبة المفرطة، فالإفراط يفصلها عن سائر أنواع المحبة. ومن ذلك إن يؤخذ المحل بدل الجنس، كقولك حد الكرسي أنه خشب يجلس