أيها الناس أعلموا أن الإمامة فرض من فروض الإسلام، والجهاد محتوم على جميع الأنام، ولا يقوم على الجهاد إلا باجتماع كلمة العباد، ولا سبيتِ الحرم إلا بانتهاك المحارم، ولا سفكت الدماء إلا بارتكاب المآثم، فلو شاهدتم أعداء الإسلام حين دخلوا دار السلام، واستباحوا الدماء والأموال، وقتلوا الرجال والأبطال والأطفال وسبواالصبيان والبنات، وأيتموهم من الآباء والأمهات، وهتكوا حرم الخلافة والحريم،) وأذاقوا من استبقوا العذاب الأليم، فارتفعت الأصوات بالبكاء والعويل (، وعلت الضجات من هول ذلك اليوم الطويل، فكم من شيخ خضبت شيبته بدمائه، وكم من طفل بكى فلا رحم لبكائه، فشمروا عباد الله عن ساق الإجتهاد في إحياء فرض الجهاد، فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا وأطيعوا، وانفقوا خيرا لأنفسكم، ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون.
فلم تبقى معذرة في القعود عن أعداء الدين والمحاماة عن المسلمين.
وهذا السلطان الملك الظاهر السيد الأجل العالم العادل المجاهد المؤيد ركن الدنيا والدين قد قام بنصر الإمامة عند قلة الأنصار، وشرد جيوش الكفر بعد أن جاسوا خلال الديار، فأصبحت البيعة باهتمامه منتظمة العقود، والدولة العباسية متكاثرة الجنود، فبادروا عباد الله إلى شكر هذه النعمة، وأخلصوا نياتكم تنصروا، وقاتلوا أولياء الشيطان تظفروا، ولا يروعنكم ما جرى، فالحرب سجال والعقابة للمتقين، والدهر يومان، والآخر للمؤمنين.
جمع الله على التقوى أمركم، وأعز بالإيمان نصركم، واستغفر الله العظيم لى ولكم ولسائر السملمين، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية: الحمد لله، حمداً يقوم بشكر نعمائه، ويشهد بوحدانيته عدة عند لقائه، والصلاة على محمد خاتم أنبيائه، عدد ما خلق في أرضه وسمائه.
أوصيكم عباد الله بتقوى الله، إن أحسن ما وعظ به الإنسان كلام الملك الديان، " يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله، وأطيعوا الرسول، وأولى الأمر منكم، فإن تنازعتم في شيءٍ فردُّوه إلى الله والرسول، إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا ".
نفعنا الله وإياكم بكتابه، وأجزل لنا ولكم من ثوابه، وغفر لي ولكم وللمسلمين أجمعين.
وألبس الخليفة السلطان الفُتُوَّة متصلة الإسناد، واحدا لواحد إلى سلمان الفارسى رضى الله وعنه وسَلمانُ إلى إلى علي رضى الله عنه.
وفي هذه السنة، سار السلطان من الديار المصرية، وخرج بجيوشه وجموعه في السابع من شهر ربيع الآخر، وخيمَّ على باب القاهرة بمسجد التبر حتى تكاملت العساكر، ثم رحل، وخلف بالقلعة المحروسة في نيابة السلطنة الأمير عز الدين ايدمر الحلى، ولما وصلى إلى غزة وجد بها والدة الملك المغيث، وهي زوجة العادل بن الكامل، حضرت إليه مستعطفة له على ولدها، فأجرى معها الحديث في حضوره، وأرسل صحبتها الأمير شرف الدين الجاكى المهمندار لتجهيز الإقامات برسمه إذا حضر إليه، ونزل على حكمه، فخرج المذكور من الكرك، ولما بلغه وصوله إلى بيسان ركب لتلقية يوم السبت السابع والعشرين من جمادى الأولى فلما وصل إلى الدهليز، احتيط عليه وعلى أصحابه، وأرسله إلى القاهرة من ليلته صحبة الأمير شمس الدين آقسنقر الفارقانى الظاهرى.
وجهز إلى الكرم الأمير بدر الدين بيسرى الشمسى، والأمير عز الدين أيدمر الظاهرى استاذدار، فتسلماها واستقر الأمير عز الدين نائباً بها، وعاد الأمير بدر الدين بيسرى بعد أن رتب أحوالها وطيب خواطر رجالها.