وقال المؤيد في تاريخه: وقد اختلف في نسبه، فالذى هو مشهور بمصر عند نسابة مصر أنه أحمد بن حسن بن أبي بكر بن الأمير أبي على القبى بن الأمير حسين بن الراشد بن المسترشد بن المستظهر، وقد مر نسب المستظهر في جملة خلفاء بني العباس، وأما عند الشرفاء العباسيين في درح نسبهم الثابت فقالوا: هو أحمد ابن ابي بكر على بن ابي بكر بن أحمد بن الإمام المسترشد الفضل بن المستظهر.

الثاني: في قدومه إلى الديار المصرية: وقال أبو شامة: وفي سنة ستين وستمائة يوم الأحد الثاني والعشرين من صفر وصل إلى دمشق الخليفة الحاكم الذي كان بايعه البرلى بحلب وأنزل في قلعة دمشق مكرما، وذلك بعد الوقعة التي قتل فيها الخيفة المستنصر، وكان معه فهرب، ثم سافر إلى مصر يوم الخميس السادس والعشرين من صفر.

وقال ابن كثير: في السابع والعشرين من ربيع الآخر من سنة ستين وستمائة دخل الخليفة الحاكم بأمر الله إلى مصر من بلاد الشرق، وصحبته جماعة من رؤوس تلك البلاد، وكان قد شهد الوقعة في صحبة المستنصر بالله وهرب هو في جماعة من المعركة فسلم.

قلت: إذا كان خروجه من دمشق يوم الخميس السادس والعشرين من صفر على ما ذكره أبو شامة، ودخوله مصر يوم السابع والعشرين من ربيع الآخر على ما ذكره ابن كثير يكون مدة سفره من دمشق إلى مصر شهرين ويوم، وهذا بعيد جدا، اللهم إلا إذا كان تعوق في الطريق لعروض مرض أو غيره، أو يكون زار القدس والخليل وأقام فيهما أياماً.

وقد ذكرنا أن السلطان الملك الظاهر تلقاه يوم دخوله، وأنزله في البرج الكبير في قلعة الجبل، وأجرى عليه الأرزاق الدارة والإحسان.

الثالث: في بيعته: قال ابن كثير: لما كان يوم الخميس ثاني المحرم من سنة إحدى وستين وستمائة جلس الملك الظاهر ركن الدين بيبرس وأمراؤه وأهل الحل والعقد في الإيوان الكبير بقلعة الجبل، وجاء الخليفة الحاكم بأمر الله راكباً حتى نزل عند الإيوان، وقد بسط له إلى جانب السلطان، وذلك بعد ثبوت نسبه، فقرىء نسبه على الناس، ثم أقبل عليه الملك الظاهر فبايعه، وبايعه الناس بعده، وكان يوما مشهودا.

وقال بيبرس: ولماكان الثاني من المحرم من سنة إحدى وستين وستمائة أحضره السلطان ليقرر له الإمامة ويبايعه على الخلافة بحكم وفاة الإمام المستنصر بالله شهيدا بسيوف التتار، قتيلا بأيدي الكفار، فلم يرد أن يبقى منصب الخلافة شاغرا، وفوها فارغا، فأحضر الإمام المذكور راكبا إلى الإيوان الكبير الكامل بقلعة الجبل، وأجلسه، وجلس إلى جانبه، وعلمت له شجرة النسب العباسي، وبايعه السلطان على كتاب الله، وسنة رسوله، والأمر بالمعروب، والنهي عن المنكر، وجهاد أعداء الله، وأخذ أموال الله بحقها، وصرفها في مستحقها، وإقامة الحدود، وما يجب على الأئمة فعله من أمور الدين، وحراسة المسلمين.

ثم أقبل الخليفة على السلطان وقلده أمور البلاد والعباد، ووكل إليه تدبير الخلق، وجعله قسيم نفسه في القيام بالحق، وفوض إليه سائر الأمور، وغدق به صلاح الجمهور، ثم أخذ الأمراء والوزراء والقضاة والأجناد والفقهاء والناس على إختلاف طبقاتهم في المبايعة، فتمت هذه البيعة المباركة.

وهذا الخليفة هو التاسع والثلاثون من خلفاء بني العباس، وممن ليس والده وجده خليفة كثير، منهم: المستعين أحمد بن محمد بن المعتصم، والمعتضد ابن طلحة بن المتوكل، والقادر بن اسحاق بن المقتدر، والمقتدى بن الذخيرة ابن القائم بأمر الله.

الرابع: في خطبته: ولما كان يوم الجمعة الثانية خطب الخليفة للناس خطبة بليغة وصلى بالناس بالقلعة.

الخطبة الأولى التي خطب بها: الحمد لله الذي أقام لآل العباس ركنا وظهيرا، وجعل لهم من لدنه سلطاناً نصيرا، أحمده على السراءِ والضراء وأستعينه على شكر ما أسبغ من النعماء واستنصر به على دفع الأعداء، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم، وعلى آله وصحبه، نجوم الإهتداء، وأئمة الإقتداء الأربعة الخلفاء، وعلى العباس عمه وكشاف غمه، أبي السادة الخلفاء) الراشدين والأئمة المهديين (، وعلى بقية أصحابه أجمعين والتابعين بإحسان إلى يوم الدين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015