فصل فيما وقع من الحوادث في
استهلت هذه السنة، والخليفة هو: المستعصم بالله.
وسلطان الديار المصرية: الملك المعظم تورانشاه بن الملك الصالح نجم الدين، ولكنه ما أقام في السلطنة إلا يسيرا، وقتل على ما نذكره عن قريب إن شاء الله تعالى.
وبقية أصحاب البلاد وملوك الأطراف على حالهم، غير صاحب اليمن، فإنه قتل أيضاً في هذه السنة على ما نذكره إن شاء الله.
قد ذكرنا في السنة الماضية من القتال مع الفرنج، وكانوا قد ضعفوا لأجل انقطاع المدد والميرة عنهم من دمياط، فإن المسلمين قطعوا الطريق الواصل إليهم من دمياط، فلم يبق لهم صبر على المقام، فرحلوا ليلة الأربعاء لثلاث مضين من المحرم من هذه السنة متوجهين إلى دمياط، وركبت المسلمون أكتفاهم، ولما أسفر صباح يوم الأربعاء خالطهم المسلمون، وبذلوا فيهم السيف، ولم يسلم منهم إلا قليل، وبلغت عدة الموتى من الفرنج ثلاثين ألفا، وإنحاز ريد افرنس ومن معه من الملوك والأمراء إلى تل هناك.
قال المؤيد: إلى بلد هناك، فطلبوا الأمان، فآمنهم الطواشى محسن الصالحى، ثم احتيط عليهم وأحضروا إلى المنصورة.
قال أبو شامة: وأسر ريد افرنس وأخوه، وجماعة من خواصه كانوا اختفوا في منية عبد الله من ناحية شرمساح، فأخذوا برقابهم، وقيدوا ريدافرنس، وجعل في الدار التي كان ينزلها كاتب الإنشاء فخر الدين بن لقمان، ووكل به الطواشى صبيح المعظمى.
وقال بيبرس: وكان للبحرية النجمية في هذه الوقعة الحظ الأوفى، والقدح المعلى.
وفي المرآة: وفي أول ليلة من سنة ثمان واربعين وستمائة كان المصاف بين الفرنج والمسلمين على المنصورة، بعد وصول الملك المعظم توران شاه إلى المخيم، ومسك الأفرنسيس وهو ريدافرنس، وقتل من الفرنج مائة ألف، ووصل كتاب المعظم توران شاه، يعنى إلى دمشق، إلى نائبها جمال الدين ابن يغمور: الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن، وما النصر إلا من عند الله، ويومئذ يفرح المؤمنون، بنصر الله،) ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم (، وأما بنعمة ربك فحدّث، وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها؛ نبشر المجلس السامي الجمالى، بل نبشر الإسلام كافة بما منّ الله به على المسلمين من الظفر بعدوّ الدين، فإنه كان قد استفحل أمره، واستحكم شره، ويئس العباد من الأهل والأولاد، فنودوا: ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله الآية ولما كان يوم الأربعاء مستهل السنة المباركة تمم الله على الإسلام بركتها، فتحنا الخزائن، وبذلنا الأموال، وفرقنا السلاح، وجمعنا العربان، والمطوعة، واجتمع خلق عظيم لا يحصيهم إلا الله تعالى، وجاؤوا من كل فج عميق، ومن كل مكان بعيد سحيق،) ولما رأى العدو ذلك أرسل يطلب الصلح على ما وقع عليه الإتفاق بينهم وبين الملك الكامل رحمه الله، فأبينا،) ولما كان في الليل (، تركوا خيامهم، وأثقالهم، وأموالهم، وقصدوا دمياط هاربين،) فرسنا في آثارهم طالبين (، وما زال السيف يعمل في أدبارهم عامّة الليل، وقد حل بهم الخزى والويل: فلما أصبحنا نهار الأربعاء قتلنا منهم ثلاثين ألفا، غير من ألقى نفسه في اللجج، وأما الأسرى فحدّث عن البحر ولا حرج، والتجأ الفرنسيس إلى المنية، وطلب الأمان فآمناه، وأخذناه، وأكرمناه، وتسلمنا دمياك بعون الله ولطفه.
وقال أبو شامة: وفي يوم الأربعاء سادس عشر المحرم وصل إلى دمشق غفارة ملك افرنسيس المأسور، أرسلها السلطان المعظم إلى نائبه بدمشق الأمير جمال الدين موسى بن يغمور، فلبسها، فرأيتها عليه، وهيى أشكرلاط أحمر، تحته فرو سنجاب، فيها بكلة ذهب، فنظم صاحبنا الفاضل الزاهد نجم الدين بن إسرائيل مقطعات ثلاثيا إرتجالا، كل قطعة بيتين في مدح السلطان، والأمير. أحديها:
إن غفارة الفرنس التي ... جاءت حباء لسيد الأمراء
كبياض القرطاس في اللون لكن ... صبغتها سيوفنا بالدماء
والثانية: مخاطبة للأمير
يا واحد العصر الذي لم يزل ... يحوز في نيل المعالى المدا
لا زلت في عز وفى رفعة ... تلبس أسلاب ملوك العدا
والثالثة: كتبها الأمير مقدمة كتاب إلى السلطان: