وفي تاريخ النويري: وفي حادي عشر ربيع الآخر من هذه السنة، سار الملك الظاهر من مصر إلى الشام، فلاقته والدة المغيث صاحب الكرك بغزة، واستوثقت لابنها من الظاهر، ثم سار الظاهر من غزة ووصل إلى الطور ثاني عشر جمادي الأولى، ووصل إليه على الطور الملك الأشرف موسى صاحب حمص في نصف الشهر المذكور، فأحسن الظاهر اليه، ثم أن الملك المغيث سار حتى وصل إلى بيسان، فركب الملك الظاهر بعساكره والتقاه يوم السبت السابع والشعرين من جمادى الأولى، فلما شاهد المغيث الملك الظاهر ترجل، فمنعه الظاهر، وأركبه، وساق إلى جانبه، وقد تغير وجه الملك الظاهر، فلما قارب الدهليز، أفرد الملك المغيث عنه، وأنزله في خيمة، ثم قبض عليه، وأرسله إلى مصر معتقلا، صحبة الأمير شمس الدين آقسنقر الفارقانى، ثم قبض الملك الظاهر على جميع أصحاب المغيث، ومن جملتهم ابن مزهر، والآخر شرف الدين، فأحضرهما السلطان، وأعطى للملك العزيز إقطاعا بالديار المصرية، وأحسن إليهما.
ثم إن السلطان أرسل عسكراً وهو على الطور، فهدموا كنيسة الناصرة وهى من أكبر مواطن عبادات النصارى، لأن منها خرج دين النصرانية.
وفيها: ركب من الطور، وسار إلى عكا جريدة، ومعه من كل عشرة فارس واحد، واستناب الأمير شجاع الدين طغريل الشبلى بالدهليز، وكان ركوبه نصف الليل من ليلة السبت رابع جمادي الآخرة، فأصبح بالوادي الذي دون عكا، ثم أحاط بها من ناحية البر، وكان بالقرب منها برجٌ فيه جماعة من الفرنج، فسير إليه طائفة من الجند، فحاصروه، وخرج من فيه مستأمنين، وحرق ما حولها من الأخشاب، وقطع ما هنالك من الأشجار، وناوشوا الفرنج القتال، فقتل منهم أقوام.
وأحضر إليه جندي يسمى حبش من أصحاب أطلس خان فارسا خيالة من الفرنج، طعنه ورماه عن فرسه وأسره، فأنعم عليه ووعده بعدة، وعاد إلى الدهليز بالطور، فرتب الأمير ناصر الدين القيمري نائب السلطنة، بالفتوحات الساحلية. ورحل وتوجه إلى القدس الشريف، وزار ورسم بعمارة المسجد الأقصى، ثم خرج طالباً الكرك.
وفي تاريخ النويري: لماكان السلطان على الطور أرسل عسكرا هدموا كنيسة الناصرة، وأغاروا على عكا وبلادها، فغنموا وعادوا، ثم ركب السلطان الملك الظاهر بنفسه وجماعة ممن اختارهم وأغار ثانياً على عكا، وهدم برجا كان خارج البلد، وذلك عقيب إغارة عسكره.
ولما خرج السلطان من القدس الشريف، سار نحو الكرك، ونزل عليها في الثالث عشر من جمادي الآخرة، فنزل إليه أولاد الملك المغيث، وقاضي المدينة، وخطيبها، وجماعة من أهلها، يطلبون العفو، فأحسن إليهم، وأعطاهم حتى رضوا، وتسلم القلعة، وطلع إليها، وأحضر دواوينها، ورتب أمر جيشها، وأعطى رجالها جامكية ثلاثة أشهر من خزائنه، وعين لها خاصا وأعطى اولاد الملك المغيث ما كان فيها من المال والقماش والأثاث، وخلع على العزيز فخر الدين عثمان ولد المغيث، وعلى خادمه، وأتابكه، وكتب مناشير عُربانها، وأُخلفوا له وأحلف مقدمو المدينة ونصاراها، وجميع أمراء بنى مهدى وبنى عقبة وأمرهم أن لا يشرب أحد منهم، ولا يسقى خيله، من صهاريج المدينة، وأهل البلاد رفقا بهم، وتوفيرا لهم، وترك بها مما كان معه من الخزانة سبعين ألف دينار، ومائة وخمسين ألف درهم، والزردخاناة التي صحبته، ورحل عنها عائدا إلى القاهرة.
لما قضى السلطان شغله في الكرك، رحل عنها عائدا إلى القاهرة، فوصلها في سابع عشر رجب فكانت مدة سفرته هذه خمسة وتسعين يوما، وأحضر أولاد المغيث وحريمه إلى الديار المصرية، وأعطى ولده فخر الدين عثمان إمرة بمائة طواشى بالديار المصرية، وقبض على الرشيدي والدمياطي والبرلى.