وعادوا إلى أرزنكان، فأقاموا بها، وأرسلوا إلى هلاون يستنجدون منه مددا، فجرد اليهم مقدماً يسمى على شاق نوين، ومعه تمان، فلما وصل، سار السلطان ركن الدين بنفسه، فوصلوا إلى قزان يوكى، فشتوا هناك.

فلما انصرف الشتاء، وصلت رسل هلاون إلى السلطان عز الدين تستدعيه، فأبى المضى، وعكف على اللهو واللعب، وجمع عسكره حوله بقونية، ولم يهتم لحفظ الأطراف وثغور مملكته، فسار أخوه ركن الدين إليها، واستولى عليها حتى انتهى إلى أقصراى ودخل صحراء قونية.

فهرب السلطان عز الدين منهزماً إلى الأشكرى بالقسطنطينية، وصحبته أخواله كرخيا وكركديد وهما على دين النصرانية، وثلاثة نفر من أمرائه، وأخلى لأخيه البلاد فملكها واستولى عليها، سوى الثغور والجبال والسواحل التي بأيدي التركمان، فإنهم امتنعوا عن طاعة السلطان ركن الدين.

وكان كبارهم محمد باك وإلياس باك أخوه وعلى باك صهره وسونج قرابته، فأسلوا إلى هلاون يبذلون له الطاعة وحمل الإتاوة، ويطلبون منه سنجقا، وفرمانا بتقليدهم، وشحنة يقيم عندهم، فأجابهم إلى ذلك، وأرسل إليهم شحنة يسمى قلشار، وكتب لهم فرمان بالبلاد التي بأيديهم، وهي: طُكزلو وخوباس وطلماي وما حولها.

وأرسل هلاون إلى محمد باك أمير التركمان المذكور يستدعيه إلى الأردُو، فأبى ولم يتوجه إليه، فبرز مرسوم هلاون إلى السلطان ركن الدين والتتار الذين في الروم بأن يتوجهوا لقتال محمد باك والتركمان الذين معه، فتوجهوا لحربه، فخامر عليه على باك صهره، وجاء إلى السلطان ركن الدين وقوى عزمه على قتال التركمان، ودلهم على عوراتهم، ومداخل بلادهم، فدخلوها وأخذوا أكثرها، والتقى معهم في صحراء طلمانية، فكسروه فانهزم، وتحصن ببعض الجبال، وأرسل يطلب الأمان ليحضر إلى الطاعة، فحلفوا له وآمنوه، فحضر، فأرسلوه إلى السلطان ركن الدين، فأخذه معه ورحل إلى قونية، فقتله عند وصوله إلى مدينة بُرْلوُ، واستقر عليباك صهره أميراً على التركمان، وملك التتار تلك الأطراف إلى حد إسطنبول.

ومنها: أنه اتفقت واقعة الأمير شمس الدين أقوش البرلى العزيزى، وكان المذكور له نابلس من الأيام المظفرية، وزاده السلطان بيسان، وأعطى مملوكه قجقار إقطاعا، وتوجه إلى دمشق، فحصلت أسباب أوجبت إمساك الأمير بهاء الدين بغدى الشرفى؛ فنفر الأشرفية والعزيزية، وخرج الأمير شمس الدين المذكور وجماعة منهم، وتوجه إلى البيرة واستولى عليها، وجعل يشن الغارات على التتار الذين هم بشرقى الفرات، ويكبس من يستفرده منهم، وطمعت آماله في قصد سنجار، فقصدها، وقد كمن له التتار وهو لا يشعر، فلما انتهى إلى حيث هم، خرجوا عليه فكسروه وهزموه، وقتلوا من رفقته جماعة منهم: الأمير علم الدين حكم الأشرفى، ونجا بنفسه، فعاد إلى البيرة، فراسله السلطان؛ وعرض عليه الدخول في الطاعة، ووعده بالإحسان، فلم يقبل، فجهز إليه جيشاً وقدم عليه الأمير جمال الدين المحمدى، فسار إليه والتقيا، فكسره البلى وأسره ومن معه، فأما الأمراء فأعطى لكل أمير منهم فرسا واحدا، وأما الأجناد فإنه تركهم رجاله وأطلقهم، فحضروا إلى السلطان، وهم على هذه الحال، فعدل عن مقاتلته إلى مخاتلته، فأرسل إليه يعده الإحسان ويستجلبه بصوغ اللسان.

ذكر الأمور المزعجة

منها: أن في ربيع الاول من هذه السنة وردت الأخبار من ناحية عكا أن سبع جزائر في البحر خسف بها وبأهلها، بعد أن أمطرت عليهم دماء عدة أيام، وهلك منهم خلق كثير قبل الخسف، وبقى أهل عكا لابسين السواد، وهم يبكون ويستغفرون من الذنوب على زعمهم.

ومنها: أنه خرج على الغلال بأرض حوران وأعمالها والجولان وأعمالها فأر عظيم أكل الغلات، فكان الذي أكله ثلاثمائة ألف غرارة قمح غير الشعير، وأبيعت الحنطة في هذه السنة المكوك منها بأربعمائة درهم، واستأصلت الفرنج أموال السلمين في ثمن الغلال.

قلت: وقع في صعيد مصر في سنة خمس وسبعمائة مثل ذلك، وكان مباشروا شونة أم القصور باتوا بها ليلى لأجل الفأر خوفا على الغلة، فباتوا يقتلون في الفأر إلى الصباح، فكان جملة ما قتلوه سبعة عشر أردباً وكسوراً بالكيل المصرى.

وفيها: حج بالناس) (

ذكر من توفى فيها من الأعيان

طور بواسطة نورين ميديا © 2015