ومنها: أنه اتفقت واقعة بين الفرنج والتركمان ببلاد الجولان، وكان التركمان قد آووا إلى بلد الساحل جافلين من التتار، وانتقلوا إلى بلد الجولان فأقاموا بها، وكانت صفد بيد الفرنج فقصدوا الإغارة على التركمان، وتبييتهم على غرَّةٍ منهم، فشعروا بما أراده الفرنج، فتأهبوا لهم وتيقظوا، فلما جاؤوا اليهم اتفقوا معهم، فكسروا الفرنج كسرة شديدة، وأسروا من كنودهم جماعة، فبذلوا لهم مالا يشترون به نفوسهم، ويفدون به رؤوسهم، فقبلوه منهم، وخلوا عنهم، ولم يطلعوا على ذلك أحدا من النواب السلطانية ظناً منهم أن الأمر يخفى ولا يظهر، فأطلع السلطان على ذلك، وعلم التركمان بذلك، فخافوا غائلة إيقاعه، فرحلوا من البلاد، وتوجهوا إلى الروم.
ومنها: أن الأمير بيبرس قال في تاريخه: وفي هذه السنة اتفق وصولى إلى الديار المصرية صحبة الطواشى مجاهد الدين قايماز الموصلى خادم الملك الرحيم بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل، فاشترانى منه الأمير سيف الدين قلاون الألفى، واشترى منه مملوكاً آخر خوشداشالى يسمى أيبك الموصلى، وكان السلطان قلاون ساكناً بحارة البندقانيين بالقاهرة المحروسة، فرتبنى في المكتب، فلطف الله بي، وعلمني كتابه العزيز، وشرفني بدراسة القرآن الكريم، لطفاً من رب العالمين.
ولما سافر المخدوم هذه السفرة، صحبة السلطان الملك الظاهر، كنت مقيماً بدار عند الست خاتون قطقطية، وهي والدة الملك الأشرف، معدودا في جملة الصغار.
ومنها: أنه جرى لولدي صاحب الروم وهما عز الدين كيكاوس وركن الدين قليج أرسلان، وقد ذكرنا أنهما حضرا مع هلاون فتح حلب، وهعاد كل منهما إلى مستقره على صورة القسمة التي قسمها بينهما منكوقان، فلما كان في هذه السنة أرسل هلاون إلى عز الدين يستدعى شمس الدين يوتاش نائبه، فأرسله إليه، فوصل إلى ارزنكان صحبة رسله، فاتفق عند وصولهم إليها عيد غطاس النصارى، فخرجوا متوجهين إلى الفرات بجمع كثير، ومعهم الجاثليق، وإسمه مرحسيا، وقد رفعوا الصلبان على الرماح، وأعلنوا النواقيس والصياح، فأنكر عليهم شمس الدين يوتاش، وقصد منعهم، فقام عليه رسل هلاون وقالوا: هذه بلاد السلطان ركن الدين، فلا تتحدث إلا في بلاد مخدومك عز الدين كيكاوس، وسألوا الجائليق كيف كانت عادتكم في أيام السلطان غياث الدين؟ فقال لهم: كانت عادتنا نحمل ثلاثة آلاف درهم ونعمل عندنا كما نختار، فأخذوا منه ثلاثة آلاف درهم، ومكنوه من عمل العيد كما أراد، فلما جرت هذه المفاوضة بين رسل هلاون وشمس الدين يوتاش عاد مغضبا ورجع إلى السلطان عزالدين، وحسن إليه العصيان على هلاون، والخلاف على أخيه ركن الدين، والاستيلاء على بلاده، فأطاعه ووافقه.
وكان ذلك داعية الفساد الأكبر، والصدع الذي لم يجبر، ثم سار إلى توقات وهي إقطاع معين الدين سليمان البرواناه، وبها أولاده وحريمه، فحصرها وضايقها، واستولى على البلاد التي في قسمة السلطان ركن الدين، فتوجه ركن الدين والبرواناه إلى هلاون، وشكيا إليه ما فعله السلطان عز الدين ونائبه يوتاش من الخلاف واعصيان، ونقض ما قرره القان، فجهز هلاون معهما تمان من عسكره، صحبة مقدم يسمى بيان نوين، وسارا راجعين، وتقدما العسكر المذكور، وقررا مع بيان نوين أن يكون عندهما في فصل الربيع.
ثم أن السلطان ركن الدين فرق ضياع أرزنجان على أمرائه إقطاعا، ووعدهم بأنه متى استولى على مملكة أخيه أعطاهم تلك الضياع أملاكا، وأقام السلطان ركن الدين على أرزنجان إلى أن انقضى فصل الشتاء، وكان نائبه الأمير خطير الدين زكريا، وأتابك جيشه رسلان دغمش، إنحاز إليه مذ نفر عن أخيه السلطان عز الدين لما جهزه لحرب بيجو، وهجم على حريمه وهو في حال السكر، وقد ذكرنا ذلك مقدما، فاستمر في الخدمة الركنية، وكان البرواناه بين يديه متصرفا في المهمات، وشرف الدين مسعود وضياء الدين محمود كتابا بين يديه.
فلما أقبل زمن الربيع جاء بيان نوين بجيش التتار إلى ارزنجان، فجهز معهم السلطان ركن الدين عساكره، وسفرهم إلى الروم صحبة معين الدين البرواناه، فسار شمس الدين يوتاش عن التوقات ومعه عساكر السلطان عز الدين لحربهم، فالتقى الجمعان على موضع يسمى يلدوز طاغى، ومعناه جبل النجم، فكانت الكسرة على جيش ركن الدين والتتار، فانهزموا.