وفي تاريخ النويرى: ولما سار السلطان الملك الظاهر من مصر إلى الشام، أمر القاضي شمس الدين بن خلكان أن يسافر في صبحته من مصر إلى الشام فسافر، ولما دخل السلطان دمشق عزل عن قضاء دمشق نجم الدين بن صدر الدين ابن سنى الدولة وولى عوضه القاضى شمس الدين بن خلكان.
منها: أن في يوم الجمعة خامس المحرم من هذه السنة كانت كسرة التتار على حمص قريباً من قبر خالد بن الوليد رضي الله عنه، وقد ذكرناها مفصلة في السنة الماضية لأجل تتميم الكلام.
ومنها: وصول الملك الصالح ركن الدين إسماعيل بن الملك الرحيم بدر الدين لؤلؤ إلى الأبواب السلطانية، وكان وصوله في شعبان، فأقبل الظاهر عليه وأحسن إليه، وأمر له ولمن معه بالإقامات والإنزال من دمشق إلى مصر، وتلقاه وأنزله في دار أخليت له، تليق بمثله، ووصل بعده أخوه المجاهد سيف الدين إسحاق صاحب الجزيرة، فتلقاه كما تلقى أخاه، وكان أخوهما الملك المظفر صاحب سنجار قد رتبه الملك سيف الدين قطز نائباً بحلب بعد كسرة التتار كما ذكرنا فوجد العزيزية، أمراء حلب عليه، وكرهوا ولايته، فأمسكوه واعتقلوه في بعض قلاع حلب لما قتل المظفر، فسأل إخوته السلطان تسييبه، فأفرج عنه، ووصل السلطان المذكورين بصلات جزيلة من المال والقماش والخيل والخلع والحوائص، لهم ولأصحابهم، وجهزهم ليعودوا إلى ممالكيهم صحبة الخليفة المستنصر بالله، وكتب تقاليدهم بتفويضها إليهم.
فكتب للملك الصالح ركن الدين إسماعيل: الموصل وولاياتها ورساتيقها، ونصيبين وولاياتها: بالوصا والجزيرة ومدينة بوازيج وما يتعلق بها، وعقر وشوش، ودارا وأعمالها، والقلاع العمادية وبلادها، والكواشى وبلادها، وأهرور وبلدها، وجلصور وبلدها، وكنكور وبلدها.
وكتب للملك المجاهد سيف الدين إسحاق بلاد الجزيرة وزيد عليها حمرين، وكتب للملك المظفر علاء الدين على سنجار وأعمالها التي كانت بيده.
وأرسل إليهم الطلبلخانات والسناجق، وتقدم بسفرهم صحبته إلى الشام ليجهزهم إلى مستقرهم صحبة الخليفة المستنصر بالله، فتجهزوا صحبته كما ذكرنا.
ومنها: أنه جاءت الرسل من جهة جوَانْ دِين كُنديافا، وغيره من الفرنج الذين بالساحل، إلى السلطان الملك الظاهر، والسلطان في منزلة ماء العوجاء يسألون السلطان الإذن لصاحبهم في حضوره إلى الأبواب الشريفة، فأذن لكنديافا المذكور، فحضر، فأكرمه السلطان وأقبل عليه، وأجاب سؤاله، ورسم بتقرير الهدنة له، ولصاحب بيروت على حكم القاعدة التي كانت مقررة في الأيام الناصرية، وكتب له منشوراً بما في يده من البلاد، فقبل الأرض شكراً على هذه النعمة، وعاد، وكثرت الأجلاب، وأمنت السبل، وترددت التجار، وسلكت السفار، واندفعت عن أهل السواحل المضار.
ومنها: أنه وصل إلى السلطان رسول الأشكرى ببذل المودة والمساعدة.
ومنها: أنه حضر إلى خدمة السلطان وهو في الشام الملك المنصور والملك الأشرف صاحب حمص، فتلقاهما بالإكرام وحباهما بالإنعام، وأرسل إليهما شعار السلطنة، فركب كل منهما، وكتب لهما التقاليد بممالكهما، وزاد كل منهما على ما بيده، فزاد المنصور صاحب حماة بلاد الإسماعيلية، والملك الأشرف تل باشر، وأعادهما إلى مستقرهما.
وحضر لخدمته الملك الزاهد أسد الدين شيركوه، والملك الأمجد بن العادل صاحب بعلبك، والمنصور والسعيد ولدا الملك الصالح عماد الدين إسماعيل بن الملك العادل الكبير، والملك الأمحد بن الملك الناصر داود، والملك الأشرف ابن الملك المسعود، والقاهر بن المعظم، فعاملهم بالجميل والإنعام الجزيل.
وهؤلاء من أعيان الذرية الأيوبية، وفدوا الىخدمته ومثلوا بحضرته ووطئوا بساطه، وأكلوا سماطه، فكان هذا من أمارات الإقبال، وسعادة جد دولته الآمنة من الزوال.
ومنها: أن السلطان أفرج عن العزيز بن المغيث وأرسله إلى أبيه بالكرك، وذلك أن الملك المغيث فتح الدين عمر صاحب الكرك كان قد أرسل ولده العزيز فخر الدين عثمان إلى كتبغانوين، مقدم التتار، عند وصوله إلى دمشق، فبقى مقيما بها إلى أن اتفقت الكسرة، ودخل السلطان المظفر دشمق، فأمسكه واعتقله، فلما دخل الظاهر دمشق أفرج عنه وأحسن إليه، وجهزه إلى والده، وجهز إليه شعار السلطنة، فركب بها في الكرك.