وقال ابن كثير: وقد حكى الشيخ قطب الدين اليونينى في الذيل عن الشيخ علاء الدين على بن غانم عن المولى تاج الدين أحمد بن الأثير، كاتب السر في أيام الملك الناصر صاحب دمشق، قال: لما كنامع السلطان الناصر بوطأة برزة، كانت البريدية يخبرون بأن المظفر قطز قد تولى سلطنة الديار المصرية، فقلت ذلك للسلطان. فقال: اذهب إلى فلان وفلان وأخبرهم بهذا، فلما خرجت من عنده لقبنى بعض الأجناد، فقال لي: جاءَكم الخبر من الديار المصريَّة بأن قطز تملك. قتل: ما عندي من هذا علم، وما يُدرك أنت هذا؟ فقال: بل والله إنه سبلى المملكة ويكسر التتار. فقلت: من أين تعلم هذا؟ قال: كنتُ أخذته وهو صغير وعليه قمل كثير، فكنت أفليّه وأهينه. فقال لى: ويلك إش تريد أن أُعطيك إذا تملكتُ الديار المصرية. فقلت: أنت مجنون، فقال: لا والله لقد رايت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام وقال لى: أنت تملك الديار المصرية وتكسِرُ التتار، وقول رسول الله عليه السلام حق لا شك فيه. فقلت له حينئذ وكان صادقاً: فأريد منك إمرة خمسين. فقال: نعم.
قال ابن الأثير: فلما قال لى هذا قلت: هذه كتب المصريين بأنه تولى السلطنة. فقال: والله ليكسرنَّ التتار، فكان كما قال.
قال: ولما رجع الناصر يوسف إلى ناحية الديار المصريَّة وأراد دخولها فلم يدخل ورجع عنها، ودخلها أكثر الجيوش، كان هذا الحاكى في جملة من دخلها، فأمَّره المظفَّر قطز إمرة خمسين فارساً، ووفَّى له بالوعد، وهو الأمير كمال الدين البركختانى.
قال ابن الأثير: فلقينى بالديار المصرية بعد أن تأمَّر فذكرنى بما كان أخبرني عن المظفر، فذكرته، ثم كانت وقعة التتار على إثر ذلك.
وفي تاريخ النويرى: وحكى عز الدين بن أبي الهيجاء قال: حدثنى بلقاق عن بدر الدين بكتوت الأتابكى قال: كنت أنا وقطز وبيبرس البندقدارى خشداشية في حال الصبا، فرأينا يوماً منجماً في بعض الطرقات بالديار المصريَّة فوقفنا عليه، فقال له قطز: أبصر لي، فضرب بالرمل وجعل يصوِبُ فيه النظر. وقال: إلى هذا العجب. فقال له: قل. فقال: أنت تملك مصر وتكسرُ التتار، فضحكنا منه، ثم قال له بيبرس: أبصر لي، فضرب وجعل يصوب النظر إلى الآخر ويتعجب. فقال له: قل. فقال: أنت أيضاً تملك مصر ويطول ملكك، فضحكنا ثم قلت له: فابصر لي، فضرب وقال: أنت يحصل لك إمرةٌ كبيرة وهذا سببُها، وأشار إلى بيبرس البندقدارى، ويقتل هذا وأشار إلى قطز، فوالله ما خرم من قوله ذرة.
وحكى ركن الدين الجزرى أستاذ الفارس أقطاى قال: كناعند قطز في أول دولة استاذه الملك المعز أيبك، وقد حضر عنده منجم مغربىّ موصوف بالحذق، فأمر مَنْ كان هناك بالإنصراف إلا أنا. وقال للمنجم: اضرب وانظر من يملك مِصْرَ بعد أستاذ المعز ويكسر التتار، فضرب وجعل يعد على اصابعه وقال: يطلع لى اسم فيه خمسُ حروف بلا نقط، وأبوه ايضاً كذلك، وأنت فاسمك ثلاثة أحرف، فتبسم قطز وقال له: لم لا تقول محمود بن مودود؟ فقال المنجم: هو والله هذا. قال قطز: أنا محمود بن مودود، أنا الذى أكسر التتار وآخذ بثأر خالى خوارزم شاه منهم.
وأمَّا مبدأ أمر قطز فإنَّ السلطان الملك المعزّ أيبك اشتراه وهو أميرٌ، فربَّاه وأحسن تربيته، ولما قتل أستاذه قام في تولية ابنه الملك المنصور نور الدين على ابن المعز، وكان حينئذ أتابك العساكر بالديار المصرية، ولما سمع بأمر التتار خاف ان تختلف الكلمة بسبب صغر ابن أستاذه، فعزله ودعا إلى نفسه، فبويع له في ذي القعدة سنة سبع وخمسين وستمائة، فقدر الله على يديه نصرة الإسلام بعين جالوت كما ذكرنا.