فاتفق الأمير ركن الدين بيبرس البندقدارى، والأمير سيف الدين أنص الاصفهانى، والأمير سيف الدين بلبان الرشيدى، والأمير بدر الدين بكتوت الجوكاندارى، والأمير سيف الدين بيدغان، ومن معهم على قتله، وجعلوا يترصدون له وقتاً لإنتهاز فرصتهم، وإمضاءِ عزيمتهم، فلا يجدون سبيلاً إلى ما هموا بفعله، ولا تمكنا من الوثوب به وقتله، إلى أن افضى بهم السيرُ إلى منزلة القصَيْر بطرف الرمل، بينه وبين الصالحية مرحلة، وقد سبق الدهليزُ إلى الصالحية وقالوا: متى فاتنا من هذه المنزلة وصل إلى القلعة وأعجزنا مرامُه ولم نأْمن انتقامَه، واتفق أنه انفرد عن المواكب لصيد الأرانب، ساق خلف أرنب عرض له، وهم يرمقونه، فلما رأوه قد بَعدُ عن الأطلاب، قالوا: الآن ندرك الطِلاب، وساقوا في إثره ركضاً، وجاؤوا يتلو بعضهم فتقدَّم إليه أنص الأصبهانى كأنه يشفع عنده في إصلاح حال الركن بيبرس البندقدارى لأنه أقام في الخدمة مُدَّة ولم يعين له عدَّه، وخرج إلى الغزاة برمحه، وبذل فيها غاية نصحه، فأجابه المظفر إلى سؤالِه ووعده بإصلاح حاله فأهوى إلى يده كأنه يقبلهما، فأمسكها أنص وضبطها، فأيقن المظفر أنه قد ختل وخدع وأن ذلك الأمر قد أبرم ووضع، وأراد أن يجذب سيفه ليدفَع عن نفسه، فعاجله البندُقدارى بالسيف وأخذته السيوف، فخر صريعاً يمج دما ونجيعاً، وذلك في سابع عشر ذي القعدة من هذه السنة.

ويقال: لما أجاب لمظفر إلى كلام أنص أهوى لتقبيل يده، فقبض عليها، وحمل عليه بيبرس البندقدارى حينئذ، وضربه السيف، واجتمعوا عليه ورموه عن فرسه، ثم قتلوه بالنَشاب في التاريخ المذكور.

ذكر ترجمة المَلِكِ المُظَفَّرِ قُطُز

والكلام فيه على أنواع: الأول في اصله ومبدأ امره ونسبه: هو سيف الدين قطز بن عبد الله التركى، أخص مماليك الملك المعزّ أيبك التركمانى، أحد مماليك السلطان الملك الصالح نجم الدين أيوب.

وحكى بن أبي الفوارس قال: كان هذا قطز مملوكاً لابن العديم، أو قال لأبن الزعيم، رجل من دمشق، فضربه يوماً وشتمه، فبكى بكاءً كثيراً وامتنع من الأكل في ذلك اليوم. فقال له الفراش: هذا البكاء كله من ضربة أو ضربتين، فقال يا خارج: والله ما أبكى للضرب، ولكن للعنته أبي وجدّى وهما خير من أبيه وجده فقال له الفراش: ومن أبوك وجدُّك، وما كانا إلا كافرين؟ فقال: لا والله، بل أنا مسلم ابن مسلم إلى عشر جدود وأنا محمود بن مودود بن أخت جلال الدين خوارزم شاه السلجوقي، ولا بد أن أملك مصر وأكسر التتار.

وحكى تاج الدين أحمد بن الأثير الحلبي قال: لما ملك الملك المظفر قطز قال لى حسام البركتخانى: والله لا يكسر التتار غيره، فقلت له: من أين لك هذا؟ فقال: إنى وإياه مملوكين صبَّيين عند الهجاوى، وكان على قطز قمل كثير، فكنت أسرح رأسَه وآخذ له كل قملة بفلس أو بصَفعة، فسرحت رأسه يوماً وصفعته صفعاً كثيراً، ثم تنهدت فقال: ما بالك؟ فقلت: أتمنى على الله إمرة خمسين فارساً. فقال ورأسه في حجرى: طيب قلبك، أنا أعطيك إمرة خمسين فارساً، فضحكتُ وصفعته صفعةً قويةً، وقلت له: من أين لك هذا؟ قال: رأيت النبى صلى الله عليه وسلم وقال لى: أنت تملك مصر وتكسر التتار. قال: فسكتَّ، وكنت أعرف منه الصدق، وما أشك في أنه يكسر التتار، فلم تمض إلا مدة يسيرة حتى خرج وسكر التتار.

وقال القاضى تاج الدين: ثم رأيت حسان الدين البركتخانى المذكور بمصر بعد كسر التتار، وهو أمير خمسين فارساً.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015