عَبَرتُ على الشَّهباء وفي القلب حَسْرةٌ ... ومن حلوها تركٌ يتابعهم مُغْلاَ

ولقد حكموا في مهجتى حكم ظالمٍ ... ولا ظالِمٌ إلا سَيُبْلى كما أُبْلَى

ثم سار إلى الأردو، فأقبل عليه هلاون ووعده بردّه إلى مملكته.

وفي تاريخ بيبرس: بقى الملك الناصر عند هلاون هو وولده العزيز، وعزم هلاون على العود من حلب إلى العراق، فسأل الملك الناصر وقال له: من بقى في ديار مصر من العسكر؟ فقال له: لم يبق بها إلا نفر قليل من العسكر وأقوام من مماليك بيتنا لا يبالي بهم، قال: فكم يكفى التجريد لقتالهم؟ قال: يكفى القليل من الجيش، وحقر عنده أمرهم وهونه، فجرد هلاون كتبغا نوين ومعه اثني عشر ألف فارس وأمره أن يقيم بالشام، وحفزه العود لما اتصل به من اختلاف حصل بين إخوته، فعاد وأصبحت معه الملك الناصر وولده العزيز.

ووصل كتبغانوين إلى دمشق وكانت قلعتها بعد ممتنعة، وبها وال إسمه بدر الدين بن قزل فعصى، وأبى أن يسلمها إلى نواب التتار، فحاصره كتبغا أياماً ففتحها عنوة، وأمر بقتل متوليها، فأخرج إلى مرج برغوث وقتل، وقتل معه نقيب القلعة وهو جمال الدين بن الصيرفي، ونزل كتبغا على المرج، فحضر إليه رسل الفرنج الذين بالساحل بالهدايا والتقادم، لأنهم خافوا على بلادهم من تطرق التتار إليها وغارتهم عليها، وشرعوا في تحصين مدائنهم وحصونهم، وحضر إليه الملك الظاهر أخو الملك الناصر، وكان مقيماً بصرخد، فأحسن إليه وأقره على حاله، وأعاده إلى مكانه، وأرسل رسلاً إلى السلطان الملك المظفر قطز يطالبه ببذل الطاعة أو تعبئة الضيافة، فلما وصلت رسله بهذه الرسالة أمر الملك المظفر بقتلهم، فقتلوا وطيف برءوسهم الأسواق إلا صبياً واحداً كان معهم استبقاه المظفر وأضافة إلى مماليكه، وتجهز للمسير إلى الشام، وجرد العزم والإهتمام، وأعد للقاء العدو الجيش الهمام.

وسنذكر بقية ما جرى على الملك الناصر يوسف في موضعه إن شاء الله تعالى.

ذكر حال قلعة حلب

قال النويرى في تاريخه: وثب جماعة من أهل قلعة حلب في مدة الحصار على صفى الدين طُرْزه رئيس حلب، وعلى نجم الدين أحمد بن عبد العزيز ابن القاضى نجم الدين بن أبي عصرون فقتلوهما، لأنهم اتهموهما بمواطأة التتار، واستمر الحصار على القلعة، واشتدت مضايقة التتار لها نحو شهرين، ثم سملت بالأمان يوم الاثنين الحادي عشر من ربيع الأول.

ولما نزل أهلها بالأمان، كان فيها جماعة من البحرية الذين حبسهم الملك الناصر يوسف، منهم: سكز وسنقر الأشقر وبرامق وغيرهم، فسلمهم هلاون هم وباقي الترك إلى رجل من التتار يقال له سلطان جق، وهو رجل من أكابر القفجاق هرب من التتار لما غلبت على القفجاق، وقدم إلى حلب، فأحسن إليه الملك الناصر فلم تطب له تلك البلاد، فعاد إلى التتار، وأما العوام والغرباء فنزلوا إلى أماكن الحمى التي قدمنا ذكرها، وأمر هلاون أن يمضى كل مسلم إلى داره وملكه وأن لا يعارض، وجعل النيابة في حلب لعماد الدين القزوينى، وخربت أسوار البلد وأسوار القلعة، وبقيت كأنها حمار أجوف.

وانقضت المملكة الناصرية، وبانقضائه انقضت الدولة الأيوبية من البلاد الشامية كما زالت من الديار المصرية.

ووصل إلى هلاون بحلب الملك الأشرف صاحب حمص موسى بن إبراهيم ابن شيركوه، فأكرمه هلاون، وأعاد عليه حمص، وكان قد أخذها منه الملك الناصر صاحب حلب في سنة ست وأربعين وستمائة وعوضه عنها تل باشر كما ذكرنا، فعاد إليه في هذه السنة، واستقر ملكه بها، ولما حضر الأشرف بين يديه قال: ثمنَّ، فقبل الأرض وقال: البرج الذي فيه حريمنا وحريم الملوك فغضب هلاون، فقالت له خاتون: ملك من الملوك يتمنى عليك شيئاً يسيراً، وأنت أذنت له في ذلك وتمنعه، فقال هلاون: إنما منعته لأجلك حتى أجعل بنات الملوك خدمك. فقالت: هم خدمى وقد وهبتهم له، فرسم له بالبرج، فقبل الأرض، وأراد النهوض فلم يقدر حتى أقاموه بإبطيه، ولم تزل به الخاتون حتى أعاد عليه مملكة حمص وأضاف إليه غيرها.

قال بيبرس في تاريخه: وكتب له منشوراً بنيابة دمشق وبلاد الشام، وعاد من عنده، وأقام بدمشق.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015