وسار الوزير يطلب خربندا ومعه جماعة من أهل كيلان من أكابرها وأعيانها حتى وصلوا إلى خربندا، وحدثه الوزير بما جرى، فرضى خربندا بما وقع عليه الإنفاق، ثم خلع على هؤلاء وردهم إلى بلادهم في إكرام، ثم رحل خربندا، وسار حتى وصل إلى قنغر أولان، وإذا بها خراب، وقد وقع من قلعتها ثلاثة أبراج وبدنتان من الزلزلة، وخرب أكثر بيوتها، وأقام عليها ثلاثة أيام، ثم رحل حتى أتى تبريز، ونزل من قلعتها، ثم سيّر خلف أمرائه وملوك بلاده، فأتى جميعهم وجمعهم للمشورة، وتحدث معهم في الركوب إلى الشام، وذلك لأنه أمن من جهة كيلان ومن جهة خراسان. فقال رشيد الدولة: الرأي عندي أن تتركوا حديث الشام، وذلك لأن العسكر ضعيف، ولهم ثلاث سنين في البيكار، ووافقه الأمراء على كلامه، فسكتوا عن ذلك واشتغلوا بغيره. وسنذكر ما جرى بعده في السنة الآتية والتي بعدها إن شاء الله.
قال بيبرس في تاريخه: وفيها: وئب مقدم من مقدمي التتار، كان مجرداً ببلاد سيس، مقدماً على التومان المقيم بها، اسمه برلغو على هيثوم صاحب سيس فقتله.
قيل: كان السبب في ذلك أن برلغو قصد أن ينشىء مدرسة ببلد أذنه، ويجعل فيها مئذنة، فلم يوافق هذا رأي صاحب سيس، وأرسل إلى خربندا يشكوه ويقول له: إنه اتفق مع أهل الشام وواطأ بلاد الإسلام، فأطلع بعض أصحاب برلغو المقيمين بالأردو على ذلك، فأرسلوا يعرفونه بشكوى المذكور منه، فخاف على نفسه، وخطر له أن يحيل بالذنب على صاحب سيس ويحتال عليه، فعزم على أن يعمل له طوى وهي الوليمة ويدعوه، ورتب مع أصحابه إذا حضر واستقر به القرار يقتلونه فلما هيأ له الضيافة حضر إليه هو وإخوته وهم: الناق، وليون وأوشين، فما استقر بهم القرار إلا وقد وثب أصحاب برلغو عليهم وبذلوا السيوف فيهم، فقتب هيثوم والناق، وجرح برلغو، جرحه بعض الأرمن، فسار متوجهاً نحو الأردو، وأمسك شخصاً يسمى أيدغدي الشهرزوري من مماليك الأمير شمس الدين قراسنقر نائب حلب، كان عند صاحب سيس من جهة المشار إليه، وجهه له في طلب القطيعة، وعلم برلغو به، فأمسكه وأخذه معه على أنه إذا قدمه إلى خربندا يثبت فعله عن صاحب سيس في مواطأته للمسلمين ومراسلته لهم، ثم إن أخاً صاحب سيس المسمى ليون توجه إلى الأردو واستصحب معه نساء أخويه الذين قتلا، لابسات الحداد، متذرعات بالسواد، شاكيات من قتل أصحابهن، فلما وقف خربندا على الخبر أمر بقتل برلغو بالسيف، فقتل على مكانته، وأقر صاحب سيس على مملكته وأعاده إلى بلاده.
وفي يوم الجمعة رابع عشر صفر: اجتمع قاضي القضاة بدر الدين بن جماعة بابن تيمية في دار الأوحد من قلعة الجبل، وطال بينهما الكلام، ثم تفرقا قبل الصلاة، وابن تيمية مصمم على عدم الخروج من السجن، فلما كان يوم الجمعة الثالث والعشرين من ربيع الأول: جاء الأمير حسام الدين مهنى ابن عيسى ملك العرب إلى السجن بنفسه، وأقسم على الشيخ ليخرجن إليه، فلما خرج أقسم لا يعود حتى يأتي معه إلى دار سلار: فاجتمع به بعض الفقهاء في دار سلار وجرى بينهم بحوث كثيرة، ثم فرقت بينهم الصلاة، ثم اجتمعوا إلى المغرب، وبات تقي الدين عند سلار، ثم اجتمعوا يوم الأحد بمرسوم السلطان أول النهار، ولم يحضر أحد من القضاة، بل اجتمع هناك الفقيه نجم الدين ابن رفعة، وعلاء الدين بن الباجي، وتقي الدين ابن بنت سعد، وعز الدين النمراوي، وشمس الدين بن عدلان، وانفصل المجلس على خير، فبات الشيخ عند نائب السلطنة.
وكان حسام الدين مهنى يريد أن يستصحبه معه إلى الشام، فأشار سلار بإقامة الشيخ مدة بمصر ليرى الناس فضله، ويجتمعوا به، وكتب الشيخ كتاباً إلى الشام بمضمون ما وقع من الأمور.
ثم عقد له مجلس بالصالحية بعد ذلك كله، ونزل الشيخ بالقاهرة بدار ابن شقير، وأكب الناس على الإجتماع به ليلاً ونهاراً.
وفي بعض التواريخ: وفيها حضر إلى الأبواب الشريفة الأمير حسام الدين مهنى بن عيسى، فأكرمه السلطان وخلع عليه، فخاطب السلطان في أمر الشيخ ابن تيمية، فأجاب سؤاله فيه، وأحضر مهنى بنفسه إلى الجبّ وأخرجه منه، ثم جرى ما ذكرناه.