ورجع جوان شير وأصحابه طالبين دشارات المغل، فسار في ذلك اليوم والثاني وعند آخر النهار أشرف على قنغر أولان وإذا عليها عساكر قد سدت تلك الأراضي، ونصبت خيام وقباب لا تحصى، ودشارات الخيل والجمال سارحات في البرية، فلما عاين جوان شير ذلك أكمن بأصحابه في جانب من العسكر بين كثبان رمل إلى أن ولّى النهار وأقبل الليل، ولما أظلم الليل قام ومعه أصحابه وقصدوا موضع الدشارات فأتوها وهي سارحة، والرعاة نيام لكونهم آمنين في هذا الموضع، فضربوا عليها الحلقة، ومن الغرائب أنهم وقعوا بدشار خربندا من خيوله الخاص التي يعتمد عليها، وخيل الأمراء أيضاً، وهي سبعة آلاف حصان، ثم ساقوها من بعد ما تمكنوا من قمم الرعيان، وقال للدليل: افتح عينك واسلك طريق السلامة ولا تخف، فها نحن خمسون فارساً خلفك، ثم ساروا والخيل أمامهم وجوان شير وراء الكل، ولم يزالوا سائرين إلى الصبح، فما أصبحوا إلا في أراضي بعيدة.
ثم علم بذلك المغل وبلغوا الخبر لخربندا بأن جوان شير ساق الدشارات، فماجت عساكره، وركب خربندا وقد خفق فؤاده، وطار رقاده، وكان إلى جانبه رشيد الدولة الوزير، وسعد الدين، وقدامه جوبان، وأتته أمراء الألوف من كل جانب، ولم يزالوا واقفين إلى طلوع الفجر، وكان جوبان سير جماعة من أصحابه يكشفون له الدشارات فينظرون ما نقص منها، فحضروا عند الصباح وقالوا: إنما ساقوا خيل خربندا الخاص ودشارالأمراء، فأعلم جوبان بذلك لخربندا، فصعب عليه وكبر لديه وقال: ما دلّهم على هذا إلا أحد من جندنا، وإلاّ كيف يكون هذا؟ فقال جوبان: طيب قلبك يا خوند، فأنا آتيك بها، فإلى أين يسيرون بها ونحن في طلبهم، ثم إنه انتخب خمسة آلاف فارس وسار خلفهم، وخربندا يقول له: اجعل بالك من حيلة تعمل عليك، فلا تهمل لهم أمراً، وقلبي خائف من جهة الكشافة الذين سيّرناهم، فلا يكون التقاهم في الطريق شيطان العجم - يعني جوان شير - فقال جوبان: إن زنبوراً خبير بهذه الأراضي، وما أظن أنه يسلك على الطريق الجادة ثم سار جوبان على عجل، ويقطع الأراضي في اليوم الأول والثاني والثالث.
وأما جوان شير فإنه جدّ في السير، وكلّما يقف فرس من الدشارات يعرقبه، ولم يزل كذلك حتى أشرف بمن معه على دربند كيلان، ثم جاوزوا الدربند، فإذا دوباح التقاهم ومعه ألف فارس وخمسمائة راجل، وذلك لأنه لما وصل إليه منكلي ومعه زنبور وأصحابه، وأخبره منكلي بأن جوان شير قد عوّل على أن يذهب ويسوق دشارات خربندا وأمرائه، ففزع من ذلك وخاف على جوان شير، وركب من وقته وساق بمن معه إلى أن التقى جوان شير، وكان آخر النهار، ولما رأى دوباج تلك الخيل تعجب منها، وكان لها أيام وهي في السوق والطرد، وفي الدربند عشب ومرعى ومياه تجري من تلك الجبال، فوقفت تلك الخيل في تلك المراعي واشتغلت بها. فقال لهم دوباج؛ انزلوا بنا نبيت في هذه الليلة ههنا ونستريح ونريح الخيل ونقوم وقت الصباح، فأجابوه إلى ئلك ونزلوا.
ولما دخل الليل أخرج دوباج من أصحابه يزكا إلى باب الدربند فباتوا ليلتهم إلى الصباح، ثم عولوا على الرحيل، وإذا باليزك قد جاءوا من باب الدربند وأخبروا بأنهم رأوا غباراً قد ظهر من الدرب الذي جاءوا منه. فقال جوان شير: هذا والله خيل خربندا وقد جاءوا وراءه. فقال دوباج: تخّلى الدشارات، وتأخذ معك مائة فارس وتدبر لنا عليهم مكيدة، ثم إن جوان شير ودوباج وأصحابهما جميعهم ساروا إلى رأس الدربند، وإذا بالغبار قد نما ولحق بعنان السماء، فقال دوباج عندي رأي. فقالوا: وما هو؟ فقال: أنا أكمن خارج الدربند في لحف هذا الجبل بين الصخور والأحجار، ويقف جوان شير بجماعة مقدار سبعين أو ثمانين فارساً، فإذا رأوك يحملون عليك لأنهم لا يعتقدون أن معك أكثر من هؤلاء، فصابروا ساعة، ثم اهربوا واطلبوا الدربند، فإذا ساروا وراءك وعبروا إلى الدربند أخرج أنا من خلفهم، وأملك عليهم الدرب، وترد أنت أيضاً بمن معك "......... ".