قال بيبرس في تاريخه: وفيها وصل الأمير فتح الدين صبرة المهمندار من بلاد التتار، وأخبر من لسانه أن خربندا سار إلى بلاد كيلان وأغار عليها، ونهب من بها من العجم والأكراد، وقتل منهم خلقاً يتجاوز الأعداد، وسبى النسوان والأولاد، وباعوهم بتبريز وتلك البلاد، مجازياً لهم مما فعلوه من كسر عسكره وقتل قطلوشاه نائبه.

قلت: قد ذكرنا فيما مضى قضية قطلوشاه وكيف قتل، ولما جاء الخبر بذلك إلى خربندا اغتم غناً شديداً وأمر بأن ينادي في عسكره بأن البيكار ثلاث سنين إلى كيلان، إما تفنى المغل أو تموت كيلان، ثم إنه فتح الخزائن، ونفق الأموال، وأمر أن من قتل له أخ أو قريب فليتزوج بامرأته، وإن كان ما له أخ ولا قريب فليتزوجها أكبر غلمانه، وأخذت العساكر الأموال، وأخذوا في إصلاح أحوالهم.

وقد كانت جماعة من ملوك كيلان قد هربوا وجاءوا إلى قطلوشاه، لما سار قطلوشاه إلى بلادهم، وكان قطلوشاه قد أرسلهم إلى خربندا، فلما جرى للمغل ما جرى من الإنكسار والهزيمة، وقتل قطلوشاه، ندم هؤلاء على مجيئهم، واجتمعوا عند كبيرهم نوبرشاه، وقالوا له: أخطأنا في مجيئنا إلى ههنا، وتركنا أموالنا وأولادنا، وجرى علينا ما جرى، وما بقينا نقدر على الرواح إلى كيلان، ولا نأمن على أنفسنا من المغل، فقال لهم: والله يا قوم ما ظننت أصلاً أن أهل كيلان تكبس التتار، ولكن النصر بيد الله تعالى ينزله على من يشاء من عباده، فما بقي إلا أننا نستغفل خربندا ونهرب طالبين بلادنا. فقالوا: ما يكون عذرنا عن جوان شير - وكان أكبر ملوكهم - وعند أصحابه إذا لامونا على خطئنا. فقال: نقول لهم: كان رواحنا لكم لأنا خشينا عواقب الأمور، فقلنا إن جرى أمر والعياذ بالله كنا لكم عليه عند الشدة، ونكون عيناً لكم عندهم، فاتفقوا على مثل ذلك، ولم يعلموا ما قدره الله في الأزل.

ثم إنهم خرجوا في بعض الليالي، وباتوا خارج تبريز في وليمة صنعت لهم، فقاموا في نصف الليل وركبوا، وطلبوا بلادهم. فسمع خربندا بذلك، وأركب جوبان خلفهم ومعه ألفا فارس، فساقوا خلفهم ولاحقوهم في أرض سوداء ليس فيها أنيس، ولا حس حسيس.

ولما رأى هؤلاء غبار التتار، قال بعضهم لبعض: جاءنا الفناء، خذوا في رواحكم، وقالوا: وماذا نصنع في هذه البرية، فقال نوبر شاه: نقاتل عن أنفسنا، وإلاّ أيّ من سلّم نفسه يقعدونه على الخازوق، كما فعل بقطلوشاه، وكانت عدتهم خمسة عشر أميراً ومائتي جندي، فتحالفوا أنهم لا يسلمون أنفسهم حتى تشقط رؤوسهم عن أبدانهم. فعند ذلك نزلوا عن خيولهم، واعتدوا للحرب ووهبوا أنفسهم لله عز وجل، وأيقنوا الموت، وهم في ذلك، فإن الغبار قد انكشف، وأظهرت التتار الإهتمام، فتسابقوا إليهم، وكان أسبق الناس إليهم قجمرن، وكان من فرسان التتر المشهورين، ولما رأته المغل، وهو قاصد إليهم حملوا عليه، وضجوا بكلمة التوحيد، ووثبت عليهم التتار "......... " فلم يفكروا فيه، وواجهوهم بالرماح، فكم من رأس قد طارت، وكم من دماء قد سالت، وفي ذلك الوقت "............ " فحمل كل منهما على صاحبه، فرمى كلتمر على نو برشاه - زعيمهم - فأصاب نحره، وخرج من ظهره، ثم ولّى فصوّب نو برشاه رمحه إليه - وهو في ألم شديد مشرف على الموت - وطعنه بين كتفيه، فخرج الرمح من صدره، فوقع كلاهما، فولّى هذا إلى الجنة وذاك إلى النار.

فلما نظر جوبان إلى ذلك أظلمت الدنيا في عينيه، وصرخ فيمن معه من التتار، وضربوا عليهم حلقة، وشرعوا في الحرب، فلله در العجم، لقد قاتلوا قتال الموت، وجعلوا الآخرة نصب أعينهم، وما أمسى الليل إلاّ والقوم صرعى على وجه الأرض، ولم يسلم منهم أحد. فأمر جوبان بأن تحز رؤوسهم، وبات تلك الليلة في مكان الوقعة.

ولما أصبحوا رحلوا طالبين خربندا، فلّما وصلوا، ومعهم رؤوس هؤلاء، فرح خربندا فرحاً عظيماً بذلك الثأر، وخلع على جوبان، وولاّه موضع قطلوشاه، وجعله صاحب المشورة والتدبير.

وكان ذلك الوقت مستهل الشتاء، فأعطى خربندا الأمراء دستوراً ليروح كل أمير إلى مشتاه، ويتجهز، فإذا خرج الشتاء يجتمعون ليسير بهم خربندا إلى كيلان، وسار خربندا أيضاً إلى مشتاه، وهو موضع يسمى موغاي.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015