وكان سبب قتله: أنه كان قد تعلق بخدمته شخص من بني عبد الوادّ يسمّى الزعيم، من أصحاب صاحب تلمسان، فحظي عنده، وبقي في خدمته سنين ثم غضب عليه، فسجنه مدة طويلة، وكان له وزير يقال له العزّ، فلما سجن الزعيم العبد الوادي تعرّض العز الوزير إلى حرمه، ثم إن المريني رضي عن الزعيم، وأطلقه ونفاه إلى بلد الأندلس، اتفق بعد مدة أن ولدت جارية من جواري المريني اسمها إزرزارة بنتاً، ومعنى هذا الإسم الغزالة، فبشّر بها المريني فأنكرها، وقال: ما أعلم أنني باشرت أمها. فقالت له إحدى النساء الحاضرات. إن مولاي باشرها وهو على حالة سكر فسلم وأمسك، وبلغ الزعيم الخبر وهو يومئذ بالأندلس، وكان قد اطلع على ما فعله العز الوزير بحريمه، فأرسل يقول للمريني: إنني لم يشق عليّ تعرض الوزير العزّ إلى حرمي كما شق على تعرضه لحرمك، وما فعله بإزرارة حتى إنه أولدها الطفلة التي أنكرت كونها منك، وهي في الحقيقة منه، فاستشاط المريني غضباً، وأمر من ساعته بإحضار العزّ وجبّه، وقلع عينيه، وصلبه، واستدعى الخادم الذي هو زمام داره واسمه عنبر، واتهمه بمواطأة العزّ على فساد حريمه، وأمر بإخراجه ليقتل، وفيما هم مارون به رآه جماعة أصحابه الأزمة والخدام، فسألوه عما جرى، فقال لهم: يجر لنا خير وهاهم ذاهبون بي إلى القتل وكلكم يقتل بعدي، فانظروا لنفوسكم ماذا تصنعون؟ وكان أبو يعقوب قد خضّب لحيته بالحناء ذلك النهار، واستلقى مضطجعاً في خضابه داخل داره، وليس عنده إلا بوابة الباب، فهجم عليه خادم من الخدم وفي يده سكين فضربه في جوفه وابتدر الخروج عنه، وأغلق الباب عليه، فصاحت البوابّة فدخل أصحابه عليه فأدركوه وبه بعض الرمق.

وكان ابنه أبو سالم عنده فقال له: إني ميت فانظر في أمرك.

وقضى أبو يعقوب من يومه، فأمر ابنه أبو سالم أن تضرب الطبول، فضربت واستدعى أعيان القوم لمبايعته، فبلغ ذلك ابن أخيه أبا ثابت عامر بن عبد الله، وعمه يحيى، وكانا على مباشرة الحصار، فاشتورا واتفقا على أن يقصدا أبا سالم ويمنعاه من السلطنة، وأن تكون لأبي ثابت دونه، ويكون عمه يحيى مدبراً لأمره، وأبرما هذا الرأي بينهما.

ولما اتفق المذكوران على هذا الرأي أرسلا إلى محمد بن عثمان صاحب تلمسان العتيقة، وهو على شفا جرف هار لما توالى عليه من تضييق وحصار، وصالحاه، ورفعا عنه المحاصرة، والتمسا منه المناصرة، فأمدهما بمن كان قد بقي عنده من الجند، وتوجها نحو أبي سالم، فهرب منهما وخرج على وجهه، فحصل في يد بعض أهل البلاد، فأمسكوه وأرسلوا يخبرون ابن أخيه بأنهم قد قبضوا عليه، فأرسل جماعة من فوارس الفرنج والمسلمين فقتلوه هناك، وجاءوا إليه برأسه.

واستقر أبو ثابت المذكور في هذه السنة، وأمر بقتل الخادم الذي أقدم على قتل أبي يعقوب، فقتل من وقته، وأخذ الخدم كافةً فقتلوا، وأضرمت لهم النيران، وزجّوهم فيها بالرماح، ولم يترك أبو ثابت بمملكته خادماً خصّياً حتى أباده، ثم وثب على عمه بسعاية قومه فقتله ثاني يوم، فكان بين يحيى وبين أخيه أبي يعقوب يوم واحد أو يومان، ورحل أبو ثابت من تلمسان وأطلق لمحمد بن عثمان العبد الوادي كل ما كان عنده بتسلمان الجديدة من الحواصل والذخائر والغلال والأزواد، وكان شيئاً كثيراً، وأخذ المال صحبته، وكان من الذهب ثلاثمائة حمل، كل حمل إثنان وعشرون ألف دينار كباراً، ومن الفضة مائتين وسبعين حملاً، ومن حفائظ الذهب التي تكتب في آخر جمعة من رمضان للتعوذ والتبرك على عادة المغاربة وقر إثني عشر بغلاً، وسار إلى فاس، وجهز مستحفظاً من بني عمه إلى مراكش اسمه يوسف بن أبي عياد، وجهز معه جماعة ليقيم بها، وأرسل إليه شخصاً من الحاضرة يسمى الحاج محمد، ولقبه المحنة، ليكون على جباية الأموال، فوقع بينهما، فقتله ابن أبي عياد، فكانت الأحنة قاتلة للمحنة، وخلع يوسف المذكور طاعة أبي ثابت وعصي عليه، وقعد بما في يديه من العمل، فسار أبو ثابت لقتاله على ما نذكره إن شاء الله تعالى.

وفيها: انتهت زيادة النيل إلى ستة عشر ذراعاً وخمسة عشر أصبعاً.

وفيها: حج بالناس الأمير سيف الدين نُغيه قفجاق السلحدار أميراً على الركب المصري، ومن الشام ركن الدين بيبرس المجنون.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015