ولما حضر المبشرون من الحج أخبروا أن أمير الحاج حصل بينه وبين أمير مكة حميضة وعبيده كلام أوجب سفك الدماء، وذلك أنه يوم النزول من عرفة شرعت عبيد الشريف تخطف التجار وتتعرض للحاج، فأخذوا من بعض التجار قماشاً، فمنعهم، فضربوه، فصاح صياحاً منكراً إلى أن أفلت الركب، فسمع أمير الحاج نُغيه، فأرسل بعض مماليكه ليكتشفوا الخبر، فحضر من عرّفه الأمر، فأشار لمماليكه بمسكهم، فساقوا إليهم، فانهزموا، فلحقوا البعض بعد أن خرج منهم جماعة، ووقع الصوت في مكة بوصول العبيد، فركب حُميضة لابساً سلاحه، وركب معه بنو حسن، وكان عند حميضة جهل كبير، فجاء الخبر إلى الأمير نُغيه، فركب هو ومماليكه وركب من كان في الركب من الأمراء والجند ووقع الصوت، ثم أن نغيه نادى للحجاج أن لا يخرج أحد من خيمته، وتوجه هو ومن معه فأشاروا عليه بأن يقف إلى أن يحضروا إليه، فلم يقبل وساق، فلقي جماعة من السرو، فظن أنهم عبيد للشرفاء، فوضع السيف فيهم، فترجل إليه بعض الأمراء وعرّفه أن هؤلاء أناس صالحون، ووصل الخبر إلى حميضة أن أمير الركب قتل السرو - وهو واصل إليك، وهو رجل تتري لا يعرف الإسلام، فحكموا على حميضة بالرجوع، فرجع إلى مكة، وبلغ ذلك نغيه فلم يرجع، ووصل إلى مكة، ونظر الأشراف إلى جيش لا يهابون شريفاً ولا غيره، فهربوا، وخرج إليه شيوخ مكة والمجاورون وسألوه، فرجع وقتل في هذه النوبة من السرو خلق كثير.

ذكر من توفي فيها من الأعيان

القاضي تاج الدين صالح بن ثامر بن حامد بن علي الجعبري الشافعي، نائب الحكم بدمشق، ومعيد الناصرية.

وله فضائل، وعلوم، وديانة، وأمانة، مات في ربيع الأول عن ست وسبعين سنة، ودفن بقاسيون.

الشيخ ضياء الدين أبو محمد عبد العزيز بن محمد بن علي الشافعي الطوسي، مدرس النجيبية، شارح الحاوي، ومختصر ابن الحاجب.

كان شيخاً فاضلاً، دخل الحمام وخرج، فغشي عليه ومات، وشُكّ في موته، وأخّروا دفنه إلى ثاني يوم، ودفن بمقابر الصوفية، وكانت جنازته حفلة.

وقال ابن كثير: وكان موته في التاسع والعشرين من جمادى الأولى منها.

الشيخ الجليل سيف الدين الرجحي بن سابق الدين هلال بن يونس، شيخ اليونسية بمقامهم.

مات فيها ودفن في داره التي كان يسكنها داخل باب توما، وتعرف بدار أمين الدولة، وكان ضخم الهامة جداً، محلوم الشعر، وخلف أولاداً، وجلس مكانه ولده الشيخ حسام الدين فضل، وكان له حرمة وافرة، ومنزلة عالية في الدولة من حين قدم من الشرق في زمان المنصور قلاون، وكان عنده أتباع كثير.

الشيخ جمال الدين إبراهيم بن محمد سعد الطيبي، المعروف بابن السواملي، والسوامل الكاسات.

كان معظماً ببلاد الشرق جداً، وكان تاجراً كبيراً، مات في جمادى الأولى منها، وكان قد سافر في أول عمره إلى الصين ومعه مال يسير، ففتح عليه، وتمول إلى الغاية، وكان ينطوي على دين وكرم وبر وصدقة، واعتقاد في أهل الخير، وكان يحمل إلى الشيخ عز الدين الفاروثي في كل عام ألف مثقال، ثم مالت عليه التتار بالأخذ حتى تضعضع حاله وقلت أمواله، وانتقل إلى واسط.

قال ابن منتاب، قال لي جمال الدين السواملي: ما بقي لي شيء سوى هذا الحبّ، وأراني حبّاً فيه ثمانون ألف دينار، فبعثه إلى الصين، فكسب الدرهم تسعةً، وولي ابنه سراج الدين عمر نيابة الملك بالمعبر، وصار ابنه محمد ملك شيزار، وابنه عز الدين كامل جميع الممالك التي لفارس، ورزق جمال الدين من السعادة ما لاحد لها.

قيل: إنه اشترى صدفة مجوفة بدرهم، وذلك في أول سعادته، وكسرها، فخرج منها درة بيضاء مدورة زنتها خمسة عشر حبة، فقيل: إنها قومت على الملك أيضاً بستين ألف دينار، وهي التي كانت أول سعادته، وكان من حسنات الزمان، رحمه الله.

الشيخ العابد الصالح خطيب دمشق شمس الدين محمد ابن الشيخ أحمد بن عثمان الخلاطي، إمام الكلاّسة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015