ثم احترست العجم، وجمعوا ما حصّلوا من خيول المغل. وأثاثهم، وقماشهم، وساروا إلى أن أتوا مدينة دوباج، وهي على يقال لها ذماهي، فالتقاهم أهل المدينة مهللين ومكبرين إلى أن دخلوا البلد، ولما استقروا قام إليهم دوباج وهو يبكي ويصرخ بسبب ولده الذي قتله قطلوشاه، وأرسل رأسه إليه - كما ذكرنا - فقالت له أمراء العجم: لا تبك. فهؤلاء المغل بين يديك، ونحن نمتثل كلامك، فافعل بهم ما تريد، فقال: والله إني أريد أن أعذبهم عذاباً ما عُذبّ به أحد في العالم. فقالوا له: إفعل ما تريد. فعند ذلك طلب قطلوشاه والأمراء الذين كانوا معه، وكانوا سبعين أميراً، وطلب جماعة من اليهود المزينين، وأمرهم بأن يقطعوا أيديهم وآذانهم وأنوفهم، ويحلقوا ذقونهم، ففعلوا بهم ذلك، ثم أركبوهم حميراً وداروا بهم في بلادهم، ثم أمر بعد ذلك بأن تنصب لهم خوازيق، فلما نظر قطلوشاه إلى ذلك عرف ما يريد به وبكى وتحسر، ونظر إلى دوباج، وقال له: يا أمير ارحمني، فالله عليك لا تهلكني بهذه الخوازيق، واعلم بأنك ميت بعدي، وبلادك تخرب، فقدم إلي حبلاً، وما يضيع فيّ، فقال له: يا كلب بن كلب ما عملت معي من الخير حتى أقدم لك جميلاً، وقد قتلت ولدي وقطعة كبدي. فأمر لمماليكه بأن يشيلوه فشالوه، وهو يبكي ويقول: هل من مخبر يخبر خربندا بحالنا، وما نحن فيه، وأرموه على الخازوق فدخل في دبره وخرج من ظهره.
وأقاموا أياماً والعجم يأتون برجال من المغل حيث خمسة وعشر مقشرة، وأكثر وأقل، ويضربون رقابهم، فحسبوا القتلى منهم. فمات أربعون ألف نفس، وسبعون أميراً من الأمراء الكبار، فهذا الذي جرى على هؤلاء المغل.
وأما خربندا فإنه كان نازلا على مدينته الجديدة التي بناها، وهو ينتظر خبر قطلوشاه ساعة بساعة، وفي بعض الأيام ركب إلى الصيد إلى ناحية الدروب. فإذا بغبار قد لاح من بعيد، فقال: إيتوني بخبر هذا، وأظنه من عسكري، فتسابقت إليه الخيل. ثم رجعوا ومعهم بعض ناس من المنهزمين، فلما رأوا خربندا أرموا أنفسهم على الأرض، وحثوا التراب على رؤوسهم، وعووا مثل ما تعوي الكلاب، ونعوا لأهلهم وأصحابهم، ثم احكوا لخربندا بما جرى عليهم مفصلاً. فقال خربندا: ما فعل قطلوشاه؟ فقالوا: ما نعلم إلا أنهم تبعونا إلى الدربند، وكانوا قد مسكوا الدربند، فقاتل قطلوشاه بمن معه وهم مشاة، والظاهر أنهم أخذوا أسرى.
ولما سمع بذلك خربندا ألوى رأس فرسه ورجع، وبات تلك الليلة بأشر بيات، ولما أصبح أرسل كشافة إلى رأس الدروب ليستصحوا الأخبار، ورحل هو طالبا مدينة تبريز، ثم بعد مدَة رجعت كشافته وأخبروا بما جرى على عسكره، وما فعلوا بقطلوشاه وبقية الأمراء، ولما سمع بذلك خربندا طار فؤاده وخرج من عقله من الغضب والقهر، وكان في ذلك الوقت الشيخ براق حاضرا وهو الذي كانت هذه الفتنة من تحت رأسه. وكان بينه وبين قطلوشاه مودة عظيمة. فقال لخربندا: لا تحمل الهم فأنا اسير إلى بلاد كيلان فأحضر بقطلوشاه ومن معه، وكان يعتقد أنهم أحياء. فقال له خربندا: افعل بما تريد، فركب الشيخ براق وسار طالباً كيلان.
وأما خربندا فإنه انقطع عن الركوب سبعة أيام، فلما رأت المغل ذلك خافوا أن يطمع أعداؤه في الملك. فقالوا لجوبان نائب أبي سعيد: هذه التي فعلها الملك ما هي عادة الملوك فإنه قوي يوري الناس الضعف، وهذا نقص في حقه. فقال لهم جوبان: اليوم أركب إليه وأتحدث معه في هذا الأمر. فقام وركب، وجاء إلى باب خربندا وطلب العبور، فمنعوه، ثم قال لبعض الخدام: اعبر وقل للملك إن جوبان على الباب يريد أن يتحدث مع الملك من باب النصيحة، فدخل الخادم واستأذن له، فأذن، فدخل جوبان وقبّل الأرض ودعا له. فقال له خربندا: ما معك من النصيحة؟ فقال له: أيد الله الملك، الملوك يورون الناس القوة عند الضعف لأجل حرمة المملكة، وأنت توري الضعف عند القوة، فلا تحمل هذا الهم على قلبك، فرجالك أجواد، وليوثك أفراد، وسيوفك حداد، ويُخشى أن يسمع الملك الناصر صاحب مصر فيطمع فيك وفي مملكتك. فقال له: يا جوبان كيف لا أحمل الهم وقطلوشاه وسبعون أميراً في الأسر وأكثر عسكري قد فني. فقال يا مولانا: أما أمر الأجناد هين، فإن المغل لو باتت عند نسائها ليلة واحدة لجابت النساء أكثر من ذلك، ولم يزل عليه جوبان حتى أمر بشد الخيل للصيد، فركب وركبت معه الأمراء وسار يطلب الصيد.