وقال جوان شير: أنا أروح وأكشف هؤلاء، فمنعوه ولم يسمع منهم، فأخذ معه جماعة ممن يثق بهم ويتكل عليهم في الشدائد، وساروا وهم مشاة، فصعدوا إلى ذلك الجبل، ثم نزلوا إلى مرج الجاموس، فإذا هم نازلون فيه، وهم آمنون مطمئنون، وخيولهم سارحة، فدار جوان شير مع أصحابه حولهم. فقال: القوم نحو ثلاثين ألفاً والباقي تفرقوا في طلب الكسب، ثم رجعوا إلى أصحابهم فقال لهم: قوموا ندهمهم قبل إسفار الصبح. فقاموا وركبوا، وساروا غير بعيد، فإذا بصياح من خلفهم يقول: قد دهمت الخيل من ورائنا فقال دوباج: قد عملت التتار علينا الحيلة وسبقونا إلى ما قد دبرناه. فقال لهم جوان شير: سيروا أنتم هُوينا وأنا أرجع وأكشف لكم هذا. فأطلق عنان جواده وطلب المكان الذي سمع منه الصياح، فلما قرب منه سمع صهيل الخيل وزمجرة الفرسان وقعقعة السلاح. فقال: هذا والله عسكر لا محالة وهلكنا لا محالة. فأنصت إليهم وإذا هم يتحدثون بالعجمي ويقولون: ما نظن أن نلحق بجوان شير لأنه رجل مقدام على البلاء وربما يكبس الكفرة من قبل وصولنا إليه، فناداهم جوان شير بالعجمي: من أنتم رحمكم الله؟ فأنا جوان شير. فلما سمعوا به تسابقت إليه الفرسان وفي أوائلهم نشاوور الشُشتري صاحب مازندران، وهم أربعة آلاف فارس كأنهم الأسود العوابس، وقد أتوا إلى نُصرة جوان شير، فلما تلاقوا اعتنقوا على ظهور الخيل وساروا يطلبون دوباج وزكايون، فتلاقوا واعتنقوا وفرحوا ولم ينزلوا، بل ساروا من وقتهم فأشرفوا على أعداء الله وهم على الحالة التي خلاّهم جوان شير - ولهم - يزك من ناحية كيفان ففرق جوان شير أصحابه حولهم من الخيالة والرجالة، وقال لهم: لا تخرجوا حتى تسمعوا النفير وقد ضرب، فكل منهم يحرك كوسانه ويخرج من مكانه، ودَوّسُوهم بسنابك الخيول. ففعلوا مثل ما قال، وصرخوا صرخةً واحدةً وقالوا: الله أكبر فتح الله ونصر. قال: فنادتهم الجبال والأشجار، فخيل للمغل بأن السموات قد انطبقت على الأرض، وثأر قطلوشاه وقد طار فؤاده، ثم قال: حسبت هذا الحساب، ونطّ على ظهر جواده، وكان هذا الجواد لا يبرح واقفاً في النوبة، فلما ركب صرخ في مماليكه وأتباعه وقال: لا تفارقوني وإذا هو بدمندار ورمضان نوين وسيباوجي ونوينات المغل وأمراؤها وقد أقبلوا إلى قطلوشاه، فلما رآهم وقد اشتد ظهره، وقال لهم: ماذا ترون في هذه الحيلة التي تمت علينا؟ فقال سيباوجي: اعلم أنهم عملوا شيئاً، وما تم معهم. فقال له: وكيف العمل؟ فقالت الأمراء: ها نحن قد اجتمعنا عليك والآن يلوح الضوء فنأخذهم على رؤوس الرماح والمرهفات الصفاح. فقال لهم دبندار: إش هذا الكلام والله ما يصبح الصباح إلا وعسكرنا على الأرض وهم أشباح بلا أرواح. وهم في الكلام فإذا العجم قد صرخت كالأسود فكشف جوان شير رأسه وحمل، فحملوا معه حملة الأسود على فرائسها.
وبينما قطلوشاه في جماعته وأصحابه، وهو يحرضهم على القتال، إذ هجم عليه جوان شير وضربه ضربة صادقة، فوقعت الضربة على بيضته فغدتها نصفين وقطعت أذنه، وحافت رأسه ووجهه، فصاح وصرخ، وقال: أيها الفارس لا تعجل علي فأنا قطلوشاه، فانتظر وأعطيك ما شئت، فلم يلتفت إلى كلامه، وجذبه وأخذه أسيراً، وقاده حقيراً، ووصل نشاوور إلى دمندار، وضربه من حديد فأرماه، وأخذه أسيراً، ووصل دوباج إلى ابن قطلوشاه، وهو هارب، فقال له: إلى أين يا لئيم ابن اللئيم، فأنا الذي أقتلك لآخذ ثأري، وأُقر عيني، ثم أخذه أسيراً، فعند ذلك عملوا السيوف في المغل، وقتلت منهم جماعة لا تحصى، والذين هربوا وأتوا إلى الدربند فوجدوها مسدودة، كما ذكرنا.
وكان قطلوشاه لما عبر بعساكره أخلى الدربند، وكان أمير حاج نزل إليها في اللكزية، وسدوها بالأحجار والأخشاب.
وهرب جماعة من المغل. ودخلوا الدربند، والعجم مشغولون بالقتال والأسر، فلحقهم نشاوور وجوان شير على مسيرة يوم. ثم عادوا والمغل معهم أسارى في القيود.