وأما الشيخ براق فإنه وصل إلى دربند كيلان، فمسكه اللكزية الذين يحفظون الدربند، وأتو به إلى دوباج، فلما مثل بين يديه سلم عليه، فقال له دوباج: أنت براق. فقال: نعم، فأمره بالجلوس، فجلس وكان قد بلغه منه أنه هو الذي حرض المغل على الدخول إلى بلادهم، ثم قال دوباج: الحمد لله الذي أتى بك يا شيخ براق من غير تعب، فوالله لقد كان في قلبي نار من جهتك، ثم قال له: لماذا أتيت في هذا الوقت؟ فقال له: اعلم أن سلطان البلاد، ومالك رقاب العباد خربندا قد سيرني إليكم ناصحاً، لما علم أنني صادق، وكلامي للحق موافق، وهو يأمركم أن تحلوا قطلوشاه ومن معه من الأمراء وتبعثوا إليه ما عليكم من الأموال، وأن ترجعوا عما تعتقدون من مذهب المجسمة، وتعتقدوا بما قاله الأشعري، وإلا سار إليكم بعساكر تضيق لها الأرض.
فلما سمع دوباج بذلك قال له: أنت يا براق ما جئت إلا في هذا الأمر. قال: نعم. فقال له: فكأنك تحب قطلوشاه، فقال: نعم، لأنه أخي وصاحبي. فقال له يا فقير: وأين الإسلام الذي عندك إذا كان مثل هذا أخوك؟ وإش هذه الحالة التي أنت عليها؟ محلوق الذقن والرأس وقد خليت شواربك كأنك شيطان، إش هذا الذي تعتقده من الأديان؟ اليوم أخلي منك الأوطان، وأفجع فيك أصحابك والخلان، ثم قال: ردوه إلى أخيه قطلوشاه فإنه يحبه، فأخذوه وجاءوا به إلى قطلوشاه وهو قاعد على الخازوق، وهو ميت قديد، فلما رآه على هذه الهيئة بكى وصاح، ثم نظر فإذا هم قد نصبوا له خازوقاً مثله بجنب قطلوشاه، فقال لهم: ما هذا؟ قالوا له: هذا مجلسك الذي أمرنا بأن نجلسك عليه، فقال: يا قوم لا تفعلوا فما أظن دوباج يفعل بهذا لأنه صاحب دين ويقين صادق، وهو صالح من الصالحين، فقالوا له: لا تطول هذا الكلام، فلا بد لك من الجلوس على هذه الخشبة، ونصبوا مع خشبته ثلاثين خشبة لأصحابه، وأقعدوا جميعهم على الخوازيق، ولم يتركوا منهم إلا واحداً من غلمانهم ليروح بالخبر، ثم قطعوا أنفه وأذنيه، وقالوا له: اذهب واعلم حربندا بالذي رايت، فسار وهو ذليل حقير حتى وصل إلى جوبان، فلما رآه جوبان على هذه الهيئة قام ودخل على خربندا.
وكان خربندا ينتظر قدوم الشيخ براق، فقال له يا مولاي: قد جاء واحد من أصحاب الشيخ براق، وهو مقطوع الأذنين والأنف ومحلوق الذقن والشنبات، فقال: أتوني به، فلما دخلوا به عليه أرمى روحه على الأرض، وبكى وانتحب، ونعى الشيخ براق، فقال خرنبدا: ويلك حدثني ما جرى لكم، فحدثه بجميع ما جرى، وأنه رأى قطلوشاه ومن معه من الأمراء قاعدين على الخوازيق وهم أموات صاروا قديداً، فلما سمع خربندا بذلك أرمى روحه على الأرض من سريره، وبكى حتى غشي عليه لأجل براق وقطلوشاه والأمراء الذين معه، ثم قال: كيف هان عليهم عملوا هذا بالشيخ الصالح، ثم قال: والله يا أمراء لقد حملت هماً على الشيخ براق أكثر من همي على قطلوشاه وعسكري، ثم نادى بالتجهيز إلى كيلان ويكون البيكار ثلاث سنين إما تفنى المغل أو تخرب كيلان، ثم إنه فتح الخزائن وأنفق الأموال، وسنذكر ما جرى بعد ذلك.
واعلم أن قضية الشيخ براق مع أهل كيلان إنما كانت سنة ست وسبعمائة، لأن المؤرخين ذكروا قدوم الشيخ براق إلى الشام في سنة ست وسبعمائة على ما سنذكره إن شاء الله، وإنما ذكرناها في هذه السنة قصداً لسوق ما جرى لأهل كيلان مع عسكر خربندا على تمامها وكمالها من غير فصل بأجنبي.
كان أصله رومياً من بعض قرى توقات، وكان يمشي وفي صحبته مائة فقير كلهم محلوقة اللحى وقد وفروا شواربهم، عكس ما وردت به السنة، وعلى رؤوسهم قرون لبابيد، ومعهم أجراس وكعاب وجواكين خشب، وكانت له منزلة عند قازان، ذلك أنه سلط عليه نمراً، فزجره فانهزم منه، فحظي عنده، وصارت له مكانة، وأعطاه في يوم ثلاثين ألفاً ففرقها كلها، ومن طريقة أصحابه أنهم لا يقطعون الصلاة، ومن ترك صلاة ضربوه أربعين جلدة، وكان الشيخ براق يزعم أنه إنما سلك هذا الزي ليخرب به على نفسه، ويرى أنه في زي المسخرة، وإنما المقصود الباطن ونحن إنما نحكم بالظاهر، والله متولي السرائر.