ثم إنه بات مكانه في تلك الليلة إلى الصباح، فلما أصبح ركب وسار يطلب كيلان وبلادها، فنظر إلى المدينة وإلى رستاقها وما فيها من الأموال والخيل والأبقار والأغنام، وكان دوباج نادى فيهم بأن يتركوا أموالهم وأولادهم ويحفلوا بأنفسهم فقط، فلما عاين قطلوشاه ذلك قال لأصحابه: والله لقد رابني أمر العجم، وأخاف من ردهم علينا. فقالت له الأمراء: وكيف يكون ذلك؟ فقال: لأنهم ما حصنوا أموالهم ولا أولادهم، وأخاف أن تكون ذلك مكيدة كانوا قد دبروها حتى نشتغل وتنصرف عسكرنا، ثم يرجعون إلينا. فضحك دمندار وقال: أطال الله عمر النوين، ومن أين للأعجام هذا الفهم؟ وهم مثل البقر السارحة، غير أنهم أرادوا النجاة لأرواحهم وتركوا أموالهم وأولادهم، فعند ذلك تفرقت المغل في البلاد والشعاب والأودية والتلال في طلب الكسب، فحاشوا أموالاً لا تعد ولا تُحد، ولم يبق عند قطلوشاه إلا اليسير من المغل، والباقي تفرقوا في طلب الكسب.
وكان جوان شير لما انكسر أرسل إلى أمير حاج بن ناجي أمير اللكزية: لا يهولنكم ما جرى علينا، فنحن هربنا من بين أيديهم مكراً منا وحيلة دبرناها لعل الله أن يجعل فيها دمارهم، فاحفظوا أنتم الدربند، وانظروا منا العجب، ولما سمع أمير حاج هذه الرسالة قال للرسول: والله لولا وصولك إلينا في هذه الساعة لعولت على المسير إلى بلادي.
وأما جوان شير ودوباج وزكايون فإنهم قد جمعوا العجم، فكان فرسانهم ألفين وخمسمائة، ومُشاتهم ثلاثين ألف راجل، وقد بايعوا الله تعالى وتحالفوا بالله الذي لا إله إلا هو أنهم لا يولون من بين أيدي المغل ولو يبقي واحد منهم.
ثم أن جوان شير أرسل كشافة يكشفون الخبر فقال لهم: إذا رأيتم قطلوشاه قد وصل إلى مرج الجاموس تعالوا اعلموني بذلك. فسارت الكشافة، وإذا قطلوشاه مع عسكره قد أشرفوا على المرج، فعادوا في الحال وأعلموا جوان شير. فقال جوان شير: الحرب خدعة فما ترون في أمر الكبسة على هؤلاء بالليل؟ فقالوا له: افعل ما بدا لك، فركب وركبت العساكر، وساروا على طريق ليس فيه ديدبان قطلوشاه، فساروا بين جبال شامخات، وأماكن وعرات، وآجام وغابات، ومع ذلك هم خبيرون بتلك الأراضي لأنها أرضهم، ثم قال لهم جوان شير: يا قوم قد قربنا منهم ولم يبق بيننا وبينهم إلا هذا الجبل، والرأي عندي أن تنزلوا وتستريحوا، وتُريحوا خيولكم إلى آخر الليل، وفي وقت السحر في الغلس نكبسهم فنزلوا.