ولما رأت المغل رجال العجم تقدمت كالعقبان، وصاح توكل على رجاله فكبروا، وذكروا النبي صلى الله وسلم، ثم حملوا، ورشّت المغل السهام عليهم كالمطر، واختلطت الخيل بالخيل، فصار النهار كالليل، وكان مقدم هؤلاء المغل شخص يقال له: دمندار، فلما رأى ما حل بهم من العجم نبه رجاله، وصرخ في أبطاله، فحملت المغل حملة رجل واحد، فبينما هم في الحرب الشديدة، إذ وصل من المغل تومان مع شخص يسمى نوين رمضان، فرأى الحرب في عمل عظيم، فعند ذلك تأخرت العجم وقد كثر عليهم الرجال، ولما رأى ذلك توكل كشف رأسه وزعق: إلى أين يا لئام؟ تسلمون البلاد إلى هؤلاء الأوغاد؟ أما لكم نخوة الكرام؟، ثم نادى: يا لدين محمد صلى الله عليه وسلم، فحمل، فعند ذلك تراجعت العجم كأنهم أسود قد خرجت من الآجام. فلله درّ توكل في ذلك اليوم، لقد قاتل قتالاً شديداً، ما رأت الراؤون مثله، ولا سمعت السامعون نظيره، ولقد قاتل بستمائة فارس مع عشرين ألف فارس من أول النهار إلى آخره، ولما أمسى الليل تأخرت المغل وخرجوا من الدربند، ونزلت العجم مكانهم.

ثم افتقد توكل أصحابه، فوجد مائة نفس عدموا، وجُرح أكثر البقية، فقال: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، أفغدا لا يبقي معي أحد، فأرسل تلك الليلة فارساً يعلم جوان شير إن لم تلحقنا لا يبقي منا أحد، فلما علم بذلك جوان شير أسرع في السير حتى وصل إليهم في آخر الليل، ولما رآهم على تلك الحالة ضاق صدره إلا أنه أضمر ذلك في نفسه، فشرع يثّبت قلوبهم ويشجعهم.

ولما أشرق الصبح، ركب ورفع على رأسه السناجق، ودقت الطبول، ونُفخ في البوقات، وصاحت العجم، ورأى الترك ذلك فعلموا أن مدداً جاء لهم، وكان قطلوشاه قد وصل إلى رأس الدربند، فلما رأى المغل على تلك الحالة استعجزهم فقال: إش هؤلاء العجم حتى طولتم هذا المقدار، فقالوا: يا نوين والله قد قاسينا منهم أمس ما قاسينا يوم مرج الصفّر. فضحك قطلوشاه من ذلك ثم أمرهم بالحملة، ولما رأت العجم ذلك أعلنوا بالتكبير والتهليل، ثم حملوا وتصادموا في وسط الدربند، وتقدم جوان شير، وعمل بالمغل حتى أيقنوا بالهلاك، وخُيلّ لهم أن قد نزل عليهم من السماء عذاب، ولكنهم يستطيلون لكثرتهم، وتخبلت العجم أيضاً، فلما رأى جوان شير ذلك مزّق درعه، ورمى خوذته عن رأسه، وصرخ: يا لدين محمد! إلى أين تفرون يا بني الأندال وتتركون حريمكم وأولادكم إلى أعداء الله ورسوله، فلله درّ فارس ما أجرأه، وسيد بأمور الحرب ما أخبره وأدراه، فلقد زلزل المغل عن مكانهم، وأنزل بهم الويل والثبور، ومن خلفه أولاد أخيه وهم ينادون: يا لثأرات أخينا الذي قتله قطلوشاه حين راح إليه في الرسيلة لأجل الإصطلاح، كما ذكرنا.

ولقد أخبر من حضر هذه الوقعة أن جوان شير غير في ذلك اليوم عشرة أروس من الخيل. وكلما رجع لأجل تغيير الفرس يتزاحم أصحابه في الهروب إلى الخيام، فإذا رجع هدر كالأسد فيرجع أصحابه إلى الحرب، ففي أقل من ساعة أخرج المغل من الدربند، فنظر إلى ذلك قطلوشاه فكفر ونحر وعتى وتجبر، ثم حمل بمن معه وكان آخر النهار، ولما رأى جوان شير ذلك، قال لأصحابه: انقلعوا من بين أيديهم لأن الليل قد أقبل، وأكون أنا خلفكم، فتقلعوا وخرجوا من الدربند، وصاحب المغل وراءهم من سائر النواحي، وتبعوهم، وقالوا: لو حمل قطلوشاه من أول النهار ما وقفت العجم ساعة واحدة، وانقطع جوان شير من خلف العجم ومعه جماعته الخواص، ورأى ذلك أمير حاج بن ناجي مقدم اللكزية من رأس الدربند وقال: والله ما بقي تقوم لهم قائمة، وروحوا بنا في رؤوس الجبال. وأما المغل فإنهم لا زالوا خلف العجم إلى دخول الليل، ورجعوا إلى قطلوشاه، وكان نازلاً في رأس الدربند من داخل، وقالوا له: إنا لم نزل سعياً وراء العجم حتى أظلم علينا الليل، ففرح قطلوشاه فرحاً عظيماً، وقال: إلى أين تذهبون؟ والله لا أبقي منهم أحداً لا صغيراً ولا كبيراً.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015