ثم سيروا كشافة إلى رؤوس الجبال، وهم في ذلك، فإذا أخو دوباج قد وصل، ومعه أصحابه - ورفقته، ومعهم غنائم كثيرة، فلاقى أخاه، وهو يبكي وينوح لأجل ولده، وأظلمت الدنيا في وجهه بسبب ذلك، وغضب على أخيه على تسييره ولده إلى قطلوشاه الكافر الظالم، وقال: وإش هذه المراكب الموسوقة، فأخبروه بحكايتهم، فلما سمع بذلك، قال: والله العظيم لقد كان في قلبي من هؤلاء الكلاب من سنة عبر قازان إلى بلاد الشام، وقال لأخيه: وكم مرة أردت الغارة على بلادهم، وتمضي أنت! ويلك إذا هربنا من أعداء الله ورسوله، فأين الإيمان؟ وأين الإسلام؟ ثم إنه جمع رجاله، وكانوا سبعمائة فارس مجردين لخوض البلاد، وكان قد جعل عليهم مقدماً يسمى توكل، رجل طويل، عريض الهامة، معجر الوجه، مكسر الأبدان، عريض القلال، وافي النيبال، صاحب زنود عريضة، وأعضاد قوية، فقال له: يا توكل خذ أصحابك وسيرهم إلى رأس الدربند، فاكشفوا لنا خبر هؤلاء الكلاب، ولا تنزل من مكانك وإن جاء قطلوشاه، ثم أرسل وأعلمني بذلك، فقال له: السمع والطاعة، فسار من ساعته، وثبت قلوب الناس من الغم، وقال: كونوا مكانكم فوحدي ألتقي أعداء الله، وسوف ترون مني ومنهم العجب.

وسمعت أهل تلك البلاد بقدوم جوان شير، فأتت الناس من جميع الجهات ثم كتب كتباً إلى جبال اللكّزية والقيدية، وكان بينه وبينهم هدنة ومصاحبة، وقال لهم: هؤلاء العدو قاصدون إلينا، وأنتم تعرفون أن آباءنا وأسلافنا قط ما أطاعوا التتار، فإن هؤلاء قوم ما يحبون إلاّ الفساد وهتك حريم الناس، فإن تخليتم عنا أخذونا، ثم عبروا إليكم، ولما وقفوا على كتبه وكان مقدمهم يومئذٍ شخص يقال: أمير حاج ابن ناجي. قال: والله ما نقعد عن نصرة جوان شير، فإن له علينا أيادي كثيرة.

فتجهزوا وساروا إليه في جمع كثير، فلاقاهم دوباج، وأنزلوهم في أعز مكان، وحملوا إليهم ما يحتاجون إليه من سائر الأشياء، ثم تشاوروا فيما بينهم في أمر العدو. فقال جوان شير: قد رأيت رأياً فلا تخالفوني فيه. فقالوا: ما هو؟ فقال: يأخذ أمير حاج رجاله ويسير بهم، ويُمسك لنا رأس الدربند، فإذا رآهم وقد دخلوا الدربند يُعلمنا بذلك، فنقوم وندور من خلفهم ونقطع الطريق عليهم، فإذا رآنا وقد التقينا، وكان النصر لنا، لا يمّكن أحداً من الخروج. فقال دوباج: أنت تعلم إنك تكسر هؤلاء الجيش العظيم. فقال له: إما أكسرهم أو أموت، فلا أبالي بما يكون بعدي. فقال أمير حاج: يا جوان شير إعلم أني ما جئت إليك بهؤلاء الرجال إلا ونحن قد بايعنا الله على أنفسنا، فمُرنا بما تريد. فدعى لهم جوان شير، ثم ركب أميرها من وقته وسار بجيشه إلى الدربند، وكان جوان شير قد أوصى له بأنه إذا رأى أنا نحن كسرنا التتار لا يمكن أحداً من الخروج، وإن رأى أنهم كسرونا يذهب هو بمن معه إلى رؤوس الجبال، ثم يذهب إلى بلاده.

وفي ذلك النهار وصلت إلى جوان شير أخبار من عند توكل: بأن أول العدو قد وصلوا إلى رأس الدربند، وهم معولون على العبور، وقد منعناهم، فألحقوا بنا سريعاً، أو ترسل إلينا وتعلمنا ماذا نفعل لأنهم خلق كثير. فلما سمع جوان شير بذلك طلب أخاه دوباج وزكايون وقال لهما: إني قد عولت على أمر. فقالا: ما هو؟ فقال: أسير إلى رأس الدربند بمن معي، وكان معه أربعمائة رجل، ومع التوكل ستمائة، فأضرب مع العدو رأساً في الدربند في آخر النهار، ثم أظهر لهم الإنهزام، فيتحققون منا الإنكسار ولا يتبعوننا من وجهين: أحدهما: إقبال الليل وهجوم الظلام وهم لا يعرفون حال تلك الأرض.

والآخر: يستخفون بنا لقلتنا ويستحقرون شأننا، ثم آخذ أنا بقية الجيش الذين عند توكل ونطلب موضع مقدمهم، ويكون رجاله قد تفرقوا لأجل طلب الكسب، فآخذهم بعون الله تعالى. فقالوا له: أفعل ما بدا لك. فأخذ أربعمائة فارس، وسار بهم تحت الظلام في تلك الليلة وصبيحة الغد، وأما توكل فإنه لما أصبح ثار عليه غبار حتى سدّ الدربند وعلا على عنان السماء، ثم انكشف عن خيل قد سدّت الأرض بكثرتها وأظلمت الدنيا من غبرتها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015