وبلغ ذلك أهل كيلان، فوقع فيهم صائح بذلك، وبلادهم كلها جبال وأودية ودر بندات وعرة ما يقدر أحد أن يسلكها إلا بمشقة عظيمة، واجتمع أهلها مع ملوكهم وحصّنوا الدربندات، واجتمعوا كلهم في مكان واحد، وكان أمر ملوكهم وغيرهم يرجع إلى ثلاثة أنفس، وهم: نوبرشاه ودوباج وزكايزن، فتشاوروا فيما بينهم، واتفقوا على أن يسيّروا جواسيس، وقالوا: إن قصدونا من رأس الدربند نزلنا إليهم، وربما يقع الصلح بيننا وبينهم لأنه لا قدرة لنا معهم، فسارت الجواسيس وغابوا أربعة أيام، ثم حضروا وأخبروا أن المغل وصلت إلى رأس الدربند وهم في جمع عظيم قد سدّوا تلك الأراضي، فحصل لهم فزع وخوف، فقال لهم دوباج: يا قوم أنتم تعلمون أن بيني وبين قطلوشاه صحبة عظيمة، وله عندي لباس فتوة، فإن رأيتم أن أسيّر إليه ولدي ومعه شيء من الهدية، ويدخل عليه، فلعله أن يردّ هذا العسكر عنا، ومهما أرادوا نحمل إليهم، فاستصوبوا ذلك منه، ثم جهز ابنه ومعه عشرة من أكابر كيلان، ومعهم هدية سنية، ولما وصلوا إلى رأس الدربند لاقاهم طوالع قطلوشاه. فقالوا لهم: نحن رسل ملوك كيلان فحملوهم إلى قطلوشاه، فتقدم ابن دوباج وقبّل الأرض، وقدم ما معه من الهدية، ثم قال: إن والد المملوك يقبل الأرض بين يدي النوين، ويذكر أن بينكم وبينه صداقة ومودة، ويسألكم أن تكونوا سبباً للصلح نظراً في حال المساكين أهل كيلان، وهؤلاء أكابرهم، وقد أحضرتهم بين يديك، فافعل فيهم ما شئت. فقام هؤلاء ودعوا له ولخربندا وتحدثوا، فقال لهم: ما الذي تريدون؟ فقالوا: نريد أمان القان على حريمنا وأولادنا، وكل ما يطلبه القان والنوين يحمله، وندخل تحت ما يرسم به، فعند ذلك ضحك قطلوشاه اللعين وقال: هيهات هيهات، فأمر بضرب رقبة ابن دوباج، فضربوا رقبته، ثم علقوا رأسه في رقبة واحد من هؤلاء العشرة، وكان من فقهائهم، وقال لهم: روحوا في أسرع وقت وقولوا لهم: يحضر الجميع بأولادهم ونسائهم وملوكهم حتى نحضرهم بين يدي القان، فمن شاء قتله ومن شاء أبقاه وأخذ كل ما كان معهم، ثم شيّعهم، فخرجوا ولا يصدقون بالنجاة.

ولما وصلوا قصوا بقصّتهم، ولما علين دوباج إلى رأس ابنه قامت عليه القيامة، وحزن على ولده حزناً عظيماً ووبّخ نفسه على إرساله ولده، ثم أقسم بالله وبالنبي صلى الله عليه وسلم أنه إن مكّنه الله منهم لأنزل بهم ما يتحدث به الركبان في كل زمان ومكان.

وكان له أخ يسمى جوان يغير ما يشاء على بلاد العجم، أشد بأساً منه والأكثر شجاعة. وكان مغرماً بتواتر الغارات على بلاد الكرج، وكان له مدة شهر غائباً في بلاد الكرج وكان دوباج متعلقاً بسبب غيبته، وكان يتمنى أن يكون عنده ليلاقي به التتار.

وأما باقي ملوك كيلان فقد ضعفت قلوبهم، وتشاوروا فيما بينهم، وقالوا ما لنا قدرة بهؤلاء العدو، وقد عجز عنهم سلطان مصر وجيشه، فاتفقوا كلهم على النزول إلى قطلوشاه إلا اثنان منهم عارضا بذلك، هما: دوباج وزكايون، فإنهما قالا: لا سمع ولا طاعة، ولا نبدل إيماننا بكفر ونحن قط ما رأينا ولا سمعنا بعبور التتار إلى بلادنا، وعندنا سناجق الخليفة، ونحن على إيمانه وعهوده، ومن قال غير هذا ما نسمع منه، فمال إليهما أكثر أهل كيلان. وشجعان الرجال، ومن في رأسه نخوة الإسلام، والفقهاء، والعلماء.

ولما مضى ذلك النهار وأقبل الليل ركب نوبرشاه، وأخذ أصحابه، وسار بهم يطلب قطلوشاه. ولما أصبح دوباج لم يجد إلا زكايون لا غير، والبقية راحوا إلى التتار، فقال: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، راحت والله البلاد منا، وصعدت أكثر الناس إلى الجبال والمواضع المنيعة، وتحصنوا فيها.

وركب دوباج وزكايون. وأخذ معهما الفقهاء وأهل بلادهما، وكان هؤلاء أصحاب البلاد الجوانية من كيلان على جانب البحر، فتشاوروا فيما بينهم. وكانوا جماعة كثيرة. وقالوا إذا كان هؤلاء قد وطنوا أنفسهم إلى الذلة فنحن ما نقدر على ذلك، وكانت لهم في ساحل البحر مائة مركب. فنقلوا إليها أولادهم ونساءهم وما يعز عليهم من أموالهم، وأوسقوا بها المراكب. وقالوا، إذا رأينا التتار تدخل إلى بلادنا وملوكها ركبنا في المراكب. فاتفقوا على ذلك، ولكن في قلب دوباج نار بسبب غيبة أخيه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015