فخرجوا من عنده وكتبوا بعد البسملة: اعلم أيها الملك العظيم الشأن، صاحب الأقاليم والبلدان، أنا نحن قوم منقطعون في هذه البلاد، وقد نقل عنا بأنا مجسمون، فنعوذ بالله من ذلك، ونحن نرى بأن من يجسّم ماله توبة عندنا، وليس حده إلا القتل، وأما ما ذكره الملك من أمر حضورنا وتمثلنا بين يديه لنبحث مع الفقهاء، فالملك لا يخفى عليه أن ضد كل أحد من جنسه، ونحن في هذه البلاد نتسبب ولا نتناول شيئاً في الجوامك، وجميع فقهاء بلادكم أصحاب الجوامك، وأكثرهم يتناولونها بغير استحقاق، فنحن نرى بحرمة هذا، بل فيهم أناس بلغنا أنهم يتناولون من المكس ومن المظالم، فمن هذا الوجه بيننا وبينهم نزاع، فإذا بحثنا معهم لا ينصفوننا، وأما عقيدتنا فهذه، وكانوا كتبوا عقيدة على طريقة أهل السنة والجماعة كما هي المذكورة في الكتب.
فعاد رسول خربندا بذلك، فلما وقف عليه ازداد غضباً فقال: لا بد من إحضارهم، فأرسل رسولاً آخر، فلما حضر قال له نوبرشاه: ارجع من حيث أتيت، فما عندنا أحد يروح، وأنتم قوم تتار، فإش تعرفون من أمور الدين، فإن كان قصدكم خراب البلاد فافعلوا. فقال الرسول: إن لم تسمعوا كلام الملك يأتي إليكم بنفسه بعساكر المغل جميعها، فيخرب البلاد، ويسفك الدماء، ويسبي الحريم والأولاد. فقال له نوبرشاه: افعلوا ما شئتم.
فرجع الرسول وأخبر خربندا بذلك، فغضب غضباً شديداً، وطلب نائبه قطلوشاه وأخبره بالخبر، ثم جمع أمراءه وأمرهم بالتجهيز، وكان قد سيّر جوبان إلى ناحية باب الحديد، ولما جمعت عساكره ولم يبق إلا الرحيل تقدم إليه وزيره رشيد الدولة وقال: أيّد الله القان، هذا الأمر الذي عوّلت عليه لم يعول عليه أحد من القانات، فهذا الذي تفعله يخرّب بلادك، ويضعف أجنادك، ويجعل لك عدوّاً في وسط بلادك، والصواب أن تبطل هذا الرأي، فإن كان قصدك أهل كيلان فأنا أحضرهم إليك، فقال: لا بدّ لي من الدخول إلى بلادهم على كل حال، فسكت رشيد الدولة وركب عدو الله في عساكره، ومعه أمراء التوامين والألوف، وكان أشدّ المغل حنقاً على أهل كيلان قطلوشاه.
ولما نزلوا على مكان، كان بني به مدينة، فأقاموا هناك ثلاثة أيام، وجرد عساكره فكانوا سبعين ألفاً، ثم أرسل إلى جوبان وهو في ناحية باب الحديد وأمره أن يجوز إلى كيلان، ويضع فيهم السيف ولا يرفعه عنهم حتى يفنيهم، ثم هم أن يركب من هذه المنزلة تقدم إليه أمراء الألوف وقطلوشاه معهم. فقالوا له: يا خوند إش هؤلاء؟ أوباش العجم، حتى تذهب إليهم بنفسك وتقلّ حرمة المغل بذلك - فقال: من يشفيني فيهم في هذه النوبة؟ فقال قطلوشاه: أنا أذهب إليهم وأخرب ديارهم، وأقتل رجالهم، وأسوق إليك نساءهم وأولادهم، فلما سمع بذلك خربندا قال: أخاف عليكم أن يجري مثل نوبة مرج الصفّر. فقالوا: يا خوند ليس هذا مثل ذلك، فإن هؤلاء ناس أعجام أوباش، لا قدر لهم ولا قدرة، ولا لهم عسكر، فعند ذلك أمر قطلوشاه أن يأخذ أمراء التوامين ويسير، وأوصاه أن لا يبقي على كبير ولا على صغير، فسار قطلوشاه طالباً بلاد كيلان.