وقال صاحب النزهة: ورد مملوك نائب حلب يخبر أن جماعة من المغل قصدوا بلاد الإسلام، وفيهم جماعة من ألزام قازان، وفيهم بعض أولاد سنقر الأشقر، وعند وصولهم إلى مصر تلقوهم ملتقى حسناً، وأكرموهم، وأعطوا بعضهم الأخباز، وأطلقوا لبعضهم الرواتب، وفرق منهم جماعة على الأمراء، وكان فيهم ناس من ألزام الأمير بدر الدين جنكلي بن البابا، فأخذهم إليه، وكان السبب لحضورهم أن الأمير سيف الدين سلار كان سيّر جماعة من القصاد بسبب حضور والدته وبقية إخوته، ووقع النحيل في أمرهم، فلم يجدوا التمكّن من ذلك، واتفق موت غازان وتفرق عسكره بحيث لم يلتفت أحد على أحد، فتحيلوا وخرجوا بهم، ووصلوا إلى قريب حلب، ووجس في خاطرهم الدخول إلى مصر والاجتهاد في الرغبة في الإسلام، ولما وصلوا إلى مصر حصل لهم الخير، وعند حضور والدة الأمير سيف الدين سلار وإخوته: فخر الدين داود وسيف الدين جبا، عمّر لوالدته في الميدان الذي أنشأه الملك العادل، وكان اصطبل الجوق في الدولة المنصورية، ثم آل أمرها إلى أن يعرف بحكر الخازن.

وقال الراوي: أخبرني شخص من جهتهم أن هذين الاثنين افترقا عن أخيهما سلار في وقعة أبلستين للملك الظاهر مع تداون، وبعد ذلك لم يكن أحد يعرف حال صاحبه ولا مكانه إلى أن أراد الله باجتماعهم في هذه المدة.

ذكر بقية الحوادث في هذه السنة

منها: أن الأمير سيف الدين سلار قدم من الحجاز في رجب المحرم، وذكر عنه أنه أنفق في هذه السفرة ما لم ينفق أحد من الأمراء مثله، ولما أراد أن يحج طلب مباشريه وقال لهم: جهزوا لي أشياء لأعمل خيراً ما سبقني أحد إليه، واعملوا أضعاف ما عمله الأمير سيف الدين بكتمر أمير جندار لما حج، وقد ذكرنا ما فعله فيما مضى، وقال لهم أيضاً: خذوا معكم شيئاً كثيراً من الذهب والفضة، واحملوا من الغلال في المراكب، فإن سلمت فيها ونعمت، وإلاّ يكون معنا شيء نعوّض عنها، فأوسقوا ثماني مراكب ما بين غلّة ودقيق وسكر وغير ذلك، وجهّزوا المال في صناديق صحبته.

وعند وصوله إلى مكة شرّفها الله جلس وسيّر أستاداره بدر الدين أبا غدّة وجماعة ممن يثق بهم إلى المجاورين بالحرم، واستعلم من كل منهم ما عليه من الدين وكم مؤنته في السنة، وما يحتاج إليه، فداروا على الجمع وكتبوا أسماءهم وأسماء أصحاب الديون، فطلب الجميع وأوفى ما على المجاورين وغيرهم من الديون، ثم أعطى لكل واحد منهم مؤنة سنة، وفي ذلك الوقت وصل قاصده من جدّة وأخبره بوصول المراكب سالمة إلى جدة، فرسم بحمل ما فيها، ثم سيّر إلى بيوت أهل مكة وطلب الجمع، الجليل منهم والفقير، وأعطى لهم من الذهب والفضة والغلة مؤنة سنة حتى لم يبق في مكة لا كبير ولا صغير، ولا شيخ ولا شاب، ولا فقير ولا غني، ولا شريف ولا عبد إلاّ وقد حصل له من ذلك شيء، ولما فرغ من ذلك طلب الحاج من الزيلع وفرق عليهم من الذهب والفضة والغلة والسكر والحلواء شيئاً كثيراً، وكان الزيلع تطوف بالبيت ويقولون في طوافهم: يا سلار كفاك الله همّ النار، ثم سيّر المباشرين إلى جدة وفعلوا بأهلها كما فعل هو بأهل مكة.

ولما أتم سلار حجّه ركب إلى المدينة، وعند وصوله وادي بني سالم وقفت العرب التي بالجبال التي هناك، وعبثوا على الحاجّ، وأخذوا أطرافهم، ونهبوا جمالاً كثيرة، فركبت الأمراء عليهم وقاتلوهم بالحجارة ساعة، فانهزموا، فتبعوهم إلى الجبال، وأخذوا منهم خمسين نفراً، وجرحوا منهم جماعة، وأحضرهم الأمير سيف الدين سلار إلى المدينة واستفتى العلماء فيهم، فأفتى الجميع بقوله تعالى: " إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ". الآية، فأمر عند ذلك بقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف.

قال الراوي: وبلغني ممن حضر هذه القضية، أنه من الخمسين، صبي ما دون البلوغ، فرحمه الأمراء، وسألوا سلاراً بإطلاقه، فأمر بإطلاقه، فقال: لا والله لست أكون سالماً دون أبي وأخي وأصحابي ولي أسوة بهم، فأمر عند ذلك بقطعه، فتعجبت الناس من قوة نفس هذا الصبيّ.

ولما وصل سلار إلى مصر أراد مباشروه أن يرفعوا حساب ما نفق في هذه السفرة فلم يرض بذلك، وقال: مال أنفقناه في سبيل الله من وجه حل، فنرجو قبوله، ولا ينبغي أن نحاسب فيه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015