ولد في ذي القعدة سنة ثمانين وخمسمائة، ونشأ شاباً حسناً، وحين توفى أبوه وعظ في موضعه، فأحسن وأجاد وأفاد، ثم تقدم وولى حسبة بغداد، مع الوعظ الرائق، والأشعار الحسنة الفائقة، وولى تدريس الحنابلة بالمستنصريَّة ببغداد في سنة ثنتين وثلاثين وستمائة، وكانت له مدارس أخرى، ثم لما ولى مؤيد الدين بن العلقمى الوزارة وشغر عنه الاستادارية وليها محيى الدين هذا، وانتصب ابنه عبد الرحمن في الحسبة والوعظ، فأجاد وأفاد، ثم كانت الحسبة تنتقل في بنيه الثلاثة: عبد الرحمن، وشرف الدين عبد الله، وتاج الدين عبد الكريم، وقد قتلوا معه في هذه السنة في قضية هلاون كما ذكرنا، ولمحيى الدين مصنف في مذهب الإمام أحمد رحمه الله وقد وقف المدرسة الجوزية بدمشق على الحنابلة.

الصرصرى المادح يحيى بن يوسف بن يحيى بن منصور بن المعمر بن عبد السلام، الشيخ الإمام، العالم العلامة، البارع، جمال الدين أبو زكريا الصرصرى، الشاعر المادح، الحنبلى، الضرير، البغدادي.

وشعره في مديح رسول الله صلى الله عليه وسلم مشهور، وديوانه في ذلك معروف غير منكور.

ولد سنة ثمان وثمانين وخمسمائة، وسمع الحديث، وحفظ الفقه واللغة، وكان يقال: إنه يحفظ صحاح الدوهري بكمالها، وصحب الشيخ على بن إدريس تلميذ عبد القادر الكيلانى، وكان ذكياً يتوقد ذكاء، ينظم على البديه سريعاً أشياء حسنة فصيحة بليغة، وقد نظم الكافي للشيخ موفق الدين بن قدامة ومختصر الحزقى، وأما مدائحه في رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقال: إنها تبلغ عشرين مجلداً.

ولما دخل التتار بغداد دعى إلى دار بها فرمان من هلاون، فأبى أن يجيب إليه وأعد في داره أحجاراً، فحين دخل عليه التتار رماهم بتلك الأحجار، فهشم منهم جماعة، فلما خلصوا إليه قتل بٌعكازه أحدهم، فقتلوه شهيداً، رحمه الله، وله من العمر ثمانون سنة.

البهاء زهير صاحب الديوان المشهور: أبو الفضل زهير بن محمد بن على بن يحيى بن الحسن بن جعفر بن منصور بن عاصم المهلبى العتكى، الملقب بهاء الدين الكاتب.

كان من فضلاء عصره، وأحسنهم نظماً ونثراً، وخطا، ومن أكثرهم مروَّة، وكان قد اتصل بخدمه السلطان الملك الصالح أبي الفتح أيوب بن السلطان الملك الكامل بالديار المصرية، وتوجه في خدمته إلى البلاد الشرقية وأقام بها إلى أن ملك الملك الصالح مدينة دمشق، فانتقل إليها في خدمته، وأقام كذلك إلى أن جرت الكائنة المشهور على الملك الصالح وخرجت عنه دمشق وخانه عسكره وهو على نابلس وتفرقوا عنه، وقبض عليه الملك الناصر داود صاحب الكرك واعتقله بقلعة الكرك، وأقام بهاء الدين زهير بنابلس محافظة لصاحبه الملك الصالح، ولم يتصل بخدمة غيره، ولم يزل على ذلك حتى خرج الملك الصالح وملك الديار المصرية، وقدم إليها في خدمته، وذلك في أواخر ذي القعدة سنة سبع وثلاثين وستمائة.

وقال ابن خلكان: وكنتُ يوم ذاك مقيماً بالقاهرة، وأودُّ لو اجتمعت به لما كنتُ أسمع عنه من مكارم الأخلاق وكثرة الرياضة، وأنشدنى كثيراً من شعره، فمما أنشدنى قوله في جارية له اسمُها روضة:

يا روضة الحسن صِلِى ... فما عليك ضيرُ

فهل رأيتِ روضةً ... ليس لها زُهَيْرُ

قال: وأخبرنى ان مولده في خامس ذي الحجة سنة إحدى وثمانين وخمسمائة بمكة حرسها الله.

وقال لي مرة أخرى: إنه وُلدَ بوادي نخلة وهو قريب من مكة، وأخبرنى أن نسبه إلى المهلب بن أبي صفرة.

ثم حصل بالقاهرة مرض عظيم لم يكد يسلم منه أحد، وكان حدوثه يوم الخميس الرابع والعشرين من شوال سنة ست وخمسين وستمائة، وكان بهاء الدين المذكور ممن مسَّه منه أَلم، فأقام به أياماً، ثم توفى قبل المغرب في يوم الأحد رابع ذي القعدة من السنة المذكورة، ودفن من الغد بعد الظهر بتربته في القرافة الصُغْرى بالقرب من قبة الشافعي رحمه الله في جهتها القبلية، ولم يتفق لي الصلاة عليه لاشتغالى بالمرض.

وفى تاريخ المؤيد: وفى سنة ست وخمسين وستمائة توفى الصاحب بهاء الدين زهير بن محمد المهلبى كاتب إنشاء الملك الصالح أيوب، وفى آخر عمره انكشف حاله، وباع موجوده وكتبه، وأقام في بيته بالقاهرة إلى أن أدركته وفاته بسبب الوباء العام، ومن شعره وهو موزون مخترع ليس بخرجة العروض أبيات منها:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015