وبلغ ذلك الملك الناصر صاحب دمشق، فخاف أن تقوى شوكتهم فيقصدون الشام، ويفسدون عليه النظام، فجرد عسكره لقتالهم، فالتقوا بالأغوار، فكسروا عسكره، وخلوهم وعادوا إليه، وقد نالت منهم الكسرة، فاستشاط لذلك غضباً، وركب بنفسه، وجمع عساكره لقصدهم والإيقاع بهم، فعلموا العجز عن المقاومة فتفرقوا، فتوجه البحرية إلى الكرك ليأووا عند الملك المغيث، وتوجهت الشهرزورية نحو الديار المصرية، فصادفوا التركمان نازلين بالعريش، فقاتلوهم على الماء حتى جرت بينهم غدران الماء، وبلغ ذلك الملك الناصر وأن البحرية عادوا إلى الملك المغيث، فأرسل إليه يطلب منه تسليمهم، ويتهدده إن مانع عنهم، فدافعه المغيث في أمرهم على أنه يندفع.

فسار إليه الملك الناصر بعساكره عازماً على منازلة الكرك ونزل على بركة زيزا، وراسل الملك المغيث بنوع من التهديد، وأغلظ له في الوعيد، فعلم أنه لا يَدْفعه عنه إلا إرسالهم إليه، فتحيَّل عليهم، فأمسك من أمكنَه وفاته من لم يقدر عليه، فأرسل الذين أمسكهم إلى الملك الناصر وهم: " شمس الدين سنقر الأشقر، وسيف الدين سكز، وسيف الدين برامق وغيرهم، فأرسلهم الملك الناصر إلى قلعة حلب، فحبسوا بها إلى أن فتحها هلاون، وأخذهم صحبته إلى بلاده، على ما سنذكره إن شاء الله تعالى، وأما الأمير ركن الدين بيبرس البندقدارى والأمير سيف الدين قلاون الألفى وخشداشيتهما الذين لم يجد الملك المغيث سبيلا إلى القبض عليهم فإنهم قد تشردوا في البلاد وتلك النواحي مدة، ثم حضروا إلى الديار المصرية ولزموا الخدمة على العادة.

ويحكى عن الأمير سيف الدين قلاون أنه والملك الظاهر بيبرس حين كانا تشردا في هذه المدة قاسياً أمراً عظيماً من القلة والفقر والشتات والتنقل من مكان إلى مكان، والخوف، وعدم الإقامة في مكان واحد، لأن الملك الناصر كان مجدَّاً في طلبهما والملك المغيث عالم على قبضهما، والملك المظفر قطز بمصر لا يركن إليهما، ثم أنهما اتفقا على زيارة الشيخ على البكا، وهو يومئذ مقيم بزاويته بمدينة الخليل عليه السَّلام، فأعوز سيف الدين قلاون القوت يوماً من الأيام، فصادف إنساناً مجتازاً بشيءٍ من الطعام، فطلب منه شيئاً لضرورة الجوع، فامتنع، فحمله الغيظ على أن ضربه ضربة مفرطة خطأً، فكانت فيها منيتهُ، فندم أشد الندم، وقال: لقد كان الجوعُ والعدمُ خيراً من قتل النفس، ثم أنهما مضيا إلى الشيخ، فلما دخلا عليه وسلّما عليه رد الشيخ سلام ركن الدين بيبرس وأقبل إليه، ولم يرد سلام الأمير سيف الدين قلاون وأعرض بوجهه عنه، وقال: هذا تجرأ على قتل النفس المحرمة، فأعجبهما كشفه وإطلاعه على هذا الأمر، فتطلف الأمير ركن الدين في سؤاله والتماس إقباله حتى سمح بجلوسه، ولما قاما ليودعاه صافح الشيخ الأمير ركن الدين بيبرس ودعا له وقال: أنت رايح إلى مصر وسيصير إليك ملكها، فاجتهد في فعل الخير، ثم تقدم إليه الأمير سيف الدين قلاون فصافحه وقال له كما قال لركن الدين بيبرس، فتعجبا من ذلك وخرجا من عنده، ثم آل حالهما إلى أن ملك كل واحد منهما الديار المصرية، كما سنذكره إن شاء الله تعالى.

ومنها: أنه وقع الوباءُ بالشام خصوصاً بدمشق حتى لم يوجد مغسَل.

ومنها: أنه كثر الإرجافُ بقدوم التتار إلى بلاد الشام، وحصل للناس من ذلك انزعاج عظيم وقلق شديد.

وفيها: وفيها حج الناس

ذكر من توفى فيها من الأعيان

واقف الجوزية بدمشق أستاذ دار الخلافة الصاحب محيى الدين أبو المظفر يوسف بن الشيخ جمال الدين بنى الفرج عبد الرحمن بن على بن محمد بن عبيد الله ابن عبد الله بن حماد بن أحمد بن محمد بن جعفر بن عبد الله بن القاسم بن النصر بن القاسم بن محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه، القرشى التيمى البكرى البغدادي الحنبلي، المعروف بابن الجوزى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015