منها: أن الملك الرحيم بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل سار إلى هلاون مهادناً، فاستصحب معه شيئاً كثيراً من الهدايا النفيسة، والأمتعة الجلية، والجواهر الثمينة، ومفاتيح القلعة والمدينة، وإنما حداه على ذلك الشفقة على رعيته والخوف على أهل مملكته، فمنعه أهل البلد من المسير إليه حذراً عليه، فلم يمتنع فسار، فلما وصلّ إلى هلاون أوقف بين يديه حاملاً كفنه على كتفيه، وقدم هداياه فقبلها منه وأقبل عليه، وقال لمن حضره من أكابر الخانات ومُقدمي التمانات: هذا رجل عاقل ذو سياسة، ثم خلع عليه وكتب له يرليغ بتفويض مملكة الموصل إليه على قاعدته، فعاد إلى بلده ومعه يرليغ، وفرح الناسُ به فرحاً شديداً إلا أنه لم تطل أيامهُ حتى مات، على ما نبينه إن شاء الله تعالى.
ومنها: أن الملك الناصر يوسف صاحب دمشق، أرسل ولده الملك العزيز إلى هلاون مسالماً وصحبته الهدايا الكثيرة، والتحف النفيسة، مقتدياً في ذلك بصاحب الموصل، فلما وصل إليه قبل تقدمته وسأله عن سبب تأخير والده عن الحضور إلى الأُرْدُ، فاعتذر إليه بأنه لم يمكنه مفارقة البلاد خوفاً عليها من عدو الإسلام الذي في الساحل، فأظهر له أنه قبل عذره وأعاده إلى ولده.
ومنها: أن بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل كان قد أرسل إلى هلاون من قبل مبدأ خروجه إلى العراقين ولده الملك الصالح ركن الدين إسماعيل بهدايا، فاجتمع به وسار من عنده إلى منكوقان أخيه إلى الأردو، فأكرمه، وقربهُ، وبقى عنده مدة، وزوجه بابنة خوارزم شاه التي أخذت عند مقتل أبيها، فلما أقام عند منكوقان وأبطأَ خبره على أبيه أرسل أخاه سيف الدين إسحاق وولده علاء الملك لكشف فخبره، وجهز معهما هدية أخرى إلى هلاون، فتوجها وعادا وأخبرا بسلامته وقرب عودته، فعاد بعدهما بقليل ومعه اليرليغ، وفرح الناس برجوعه سالماً، وزينت الموصل فرحاً به، وتوجه إلى ميافارقين، وحضر حصارها وعاد عنها، وجهزَّ أخاه وولده لمساعدة مقدمي التتار على الحصار.
وها هنا نادرة لطيفة وهى ان بدر الدين لؤلؤ لما طلب التوجه إلى هلاون جاء إليه أعيان أهل الموصل وأكابر دولته وقصدوا تعويقه حذر الإيقاع به، فقال لهم: لا تخشوا على منه فإنى راج أن أتمكن منه وأعرُك أذنيه، وسار، وكان قد هيأَ حلقتى أذن ذهبا، وفيهما درتان من الدر النفيس، كل منهما يضاهى الدرر اليتيمة ويناهزها في جلالة القيمة، فلما فرغ من عرض تقادمه بين يدى هلاون، فقال له: قد بقى معى شيء أحضرته خاصاً للقان قال: وما هو؟ قال: هاتان الحلقتان وهما تصلحان للآذان، ومن عادة ملوك التتار أن يتخذوا في آذانهم الجوهر، فلما رآهما هلاون استحسنهما كثيراً فقال: يأمرنى القان أن أجعلهما في أذنيه، فأعلم رضاه عنى ويحصل لى تعظيم بين الملوك، فأصغى إليه أذنيه فأمسكهما بأصبعيه ووضع الحلقتين فيهما، وأومأ إلى من كان معه مشيراً إليهم أنى قلت لأهل الموصل قولاً وقد حققته فعلاً، وعاد من عنده محترماً مكرماً.
ومنها: إن هلاون أرسلَ أرقطوا أحد المقدمين بتمان إلى أربل لأنه كان عند عبوره عليها قصد التعرض إليها فقال أهلها: نحن مطيعون، فسار عنها، ثم أرسل هذا المقدم ليتسلمها فنازلها بعنف وعسف، فأغلق أهلها الأبواب وتمنعوا، فحاصرها التتار ستة أشهر حتى هجم عليهم الحر وأصابهم من الوخم الضرّ، فرجعوا عنها، فسلمها أهلها إلى شرف الدين الكردى ورحلوا بأولادهم وأموالهم إلى حيث شاءوا، ثم خرج نائب الخليفة بها وهو الصاحب تاج الدين بن الصلايا، وتوجه إلى هلاون، فقتله ظناً منه أنه الذي امتنع من تسليمها، ولم يكن كذلك؛ بل كان قد أشار على أهلها بأن يستأمنوا ويسملوا، فأبوا ولم يفعلوا وصبروا حتى خلصوا.
منها: أن الملك المغيث صاحب كرك سار بعسكره والبحرية صحبته إلى الديار؟؟ المصرية، فلما وصل إلى الصالحية تسلل إليه من كان قد كاتبه من أمراء مصر وهم عز الدين الرومي والكافوري والهواش وغيرهم، وانحازوا إليه، وخرج عسكر مصر فألتقوهم، فكانت الكسرة على المغيث وأصحابه، فانهزم طريدا وولى إلى نحو الكرك وليس معه إلا القليل من جماعته، وأما البحرية فإنهم لما انهزموا توجهوا نحو الغور، فصادفتهم الشهرزورية وقد جاءوا جافلين من الشرق، فاجتمعوا بهم واتفقوا معهم، وتزوج الملك الظاهر منهم.