ولما تناهى ترتيب المسلمين، عاين ذلك قطلوشاه مقدم المغل وهو أعلى الخيل، وهو في جيش قد سدّ السهل والوعر، ثم شرع في ترتيب أمره، فقصد أن يرتب مقابل كل موكب موكباً، وجمع الأمراء على ذلك، فلم يجد في أمرهم فسحة، ووجد ميسرة المسلمين قد انتشرت، وبينهم وبين التتار النهر الكبير هناك فلا يمكن الوصول إليهم، فمشوا إلى آخر النهر إلى أن وصلوا إلى رأس الميمنة، فوجدوا رائجاً مديداً، ولكن وجدوا مخافاً للجبل، فتشاوروا في أمر نزولهم، واتفق رأيهم على أنهم لا يجدون مكاناً للنزول أسهل من هذه المخاضة، وأنهم ينزلون جملة واحدة. وأنهم إذا كسروا هذه الطائفة التي بين أيديهم يدورون خلف الذين يبقون، فإنهم لما رأوا ميمنة المسلمين ورأوا عسكرهم أمثال هؤلاء استحقروهم.

وقال بيبرس: وفي الوقت الحاضر أقبلت كراديس التتار كقطع الليل، لا يبين فيها الرجل من الخيل، وقد عراهم القتام والغبار، وفيهم من مقدميهم الكبار: قطلوشاه، وسوتاي أقطاجي، وجوبان بن تداون، ومولاي، وقرمشي بن الناق، وطوغان، وسبوشي بن قطلوشاه، وطغريل ابن آجاي، وآبشقا، وأولا جغان، والكان، وطيطق في مائة ألف من المغول والكرج والأرمن وغيرهم.

ذكر كيفيّة الوقعة

قال صاحب النزهة: لما رأت التتار عسكر الإسلام وهم على الجبل صاحوا وضربوا الطبول، ونزلوا وقد أحاطوا النهر، ووقفوا عند المخاضة، وكان مقابلهم من ذلك الجانب الأمير حسام الدين الأستادار. والأمير بهاء الدين أوليا بن قزمان، ولما رآهم حسام الدين قال: بسم الله نية الغزاة، فجذب سيفه ومشى، وقال بعض مماليكه: يا خوند ارجع قليلاً عن يمينك أو عن شمالك، فلم يلتفت إليهم إلى أن صدمته الخيل، وصدمت ابن قزمان أيضاً، فكان الاثنان بينهم كالواحد في ألف، فإن الجميع اجتمعوا على مخاضة واحدة، وطلعوا طلوع رجل واحد، وكان الأمير الجاولي رديفهم، وبرلغي رديف الجاولي، والأمراء متصلون بعضهم ببعض، وارتفع الغبار، ولم يشعر الناس إلا وقد اندق الجاولي وبرلغي على الكمالي، ورأى بيبرس وسلار ذلك، فصاح سلار: هلك والله الإسلام، وصاح على بيبرس والأمراء البرجية، فنهض الأمراء المنهزمون وصدموا جيش المغل، فرجّعوها قهراً، ورموا منهم جماعة كثيرة إلى أن كشفوهم عن المسلمين.

وكان جوبان وقرمشي ومن معهما قد ساقوا يعينون مولاي وهو خلف المسلمين، فرأوا قطلوشاه وقد انكسر، فعادوا إليه، ووقف في وجه بيبرس وسلار.

وكان السلطان والأمراء قد رأوا سلار وبيبرس قد خلى مكانهما، ورأوا أطلاب العدو تتواتر، فخرج أسندمر وقطلبك وقفجق والمماليك السلطانية وردفوهما، ولما رأى سلار السلطان والأمراء أخذ على جانب وتمكن من العدو، وطعن فيهم وأبادهم، ولم يبق أمير إلا وقد ألقى نفسه للموت، فلما رأى المغل ذلك أخذوا جهةً وتمكنوا منها، وكان الأمير سيف الدين برلغي بين أيديهم، فصدموه ومزّقوا طلبه وفرقوه، ثم صاروا أيّ جهة مالوا إليها فرقوها، وتم الحرب بين سلار بمن معه من الأمراء والسلطان وبين قطلوشاه تارةً تارة، وكل من الفريقين قد ثبت.

ولم يعلم سلار والأمراء أن الجانب الذي نزلوا عليه قتلت أمراؤهم وانهزم من كان معهم، وأن طائفة من المغل ساقت وراء المنهزمين، وفي ذلك نهبت خزائن السلطان، فإن الكسرة حيث انتهت بالمسلمين على تلك الطريق جعلت الناس بين أيديهم، وتفرق من كان حول الخزائن، ولما رأى السواد الأعظم ذلك صاروا يبركون جمال الخزائن البخاتي ويكسرون الصناديق، ويخرجون أكياس الذهب والفضة، فيأخذ كل أحد ما يقدر عليه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015