وقال النويري: لما وصل الملك الناصر رتب العساكر الإسلامية ميمنة وميسرة وقلباً، والتقى الفريقان بمرج الصفر نصف النهار.
وقال صاحب النزهة: وكما قدر الله تعالى وصول السلطان والعسكر وجدوا قطلوشاه ومن معه من المغل قد وصلوا، ووقف على أعلا النهر وقد نظروا العساكر من علوه، فظنوا أنها عسكر الشام، فتباشروا، وأخذت الحجاب في ترتيب المواكب والأمراء والمقدمين، واجتمع الجميع قدام السلطان، وحضر الخليفة أبو الربيع، ووقفت أكابر الأمراء والنواب، وأجمعوا على تعيين أمراء للميمنة، وأمراء للميسرة.
ووقف السلطان في القلب بلوائه، والخليفة بإزائه، والأمير سيف الدين سلار، والأمير ركن الدين أستادار، والأمير عز الدين أيبك الخزندار، والأمير سيف الدين بكتمر أمير جاندار، والأمير جمال الدين أقوش نائب الشام ومن معه من عساكر الشام، وبلرغي، وأيبك الحموي، وبكتمر الأبو بكري، وقطلوبك، ونوغيه السلحدار، وأغرلو الزيني.
وفي الميمنة: الأمير حسام الدين الرومي أستاذ الدار، والأمير جمال الدين أقوش الموصلي، والأمير بهاء الدين يعقوبا الشهرزوري، والأمير مبارز الدين بن قزمان، ومبارز الدين بن سواري أمير سنجار.
وفي الميسرة: الأمير بدر الدين بكتاش الفخري أمير سلاح، والأمير شمس الدين قراسنقر المنصوري نائب حلب ومن معه من العسكر الحلبي، والأمير سيف الدين بتخاص المنصوري نائب صفد، والأمير سيف الدين طغريل الإيغاني، والأمير بكتمر السلحدار، والأمير بيبرس الدوادار صاحب التاريخ.
وفي الجناح الأيمن: الأمير سيف الدين قفجاق نائب حماة ومعه العسكر الحموية، وجماعة العربان فيهم مهنى وآل فضل.
وقال صاحب النزهة: وفي الجناح الأيمن شمس الدين قراسنقر نائب حلب مع مهنى وآل فضل، والأمير بهاء الدين أولياء بن قزمان، وفي الجناح الأيسر: سيف الدين برلغي، وعلم الدين الجاولي، وشمس الدين سنقر الكمالي.
وقال صاحب النزهة: كانت الأمراء قصدوا أن يعزلوا السلطان مع جماعة بناحية عن المصاف، فأبى ذلك ولام الأمراء وقال: والله أنا أول من يحمل قدامكم. فقال له أسندمر كرجي نائب طرابلس: يا خوند نحن ما نريد منك أن تحمل، ولا للملوك عادة بالجملة، ولكن إثبت أنت مكانك، فإذا ثبت السلطان ثبت العسكر. فقال له: يا أمير إن اخترتم هانوا قيداً فقيَدوا فرسي به حتى أموت وهو واقف، فأعجب ذلك الأمراء ودعوا له.
وقال ابن كثير: ولما اصطفت العساكر والتحم القتال ثبت السلطان ثباتاً عظيماً، ويقال: إنه أمر بجواده فقيد حتى لا يهرب، وبايع الله في ذلك الموقف.
وقال صاحب النزهة: ولما تكامل ما رتبوا وقف كل أحد مكانه، والخليفة إلى جانب السلطان يتلو كتاب الله ويذكر ما أعد الله للمجاهدين من الثواب والأجر، ويقول: أيها المجاهدون لا تقاتلوا لأجل سلطانكم، فقاتلوا لأجل حريمكم، فعند ذلك ما كنت ترى إلا أدمعاً على الخدود تترادف، وزعقات من صميم الأكباد تتضاعف، وعاينت جماعة من الجند وقع بهم الاختلال في عقولهم في ذلك الوقت ووقعوا إلى الأرض، وبقي الأمير سيف الدين سلار في حفدته ومضافيه، والأمير ركن الدين في حفدته من البرجية ومضافيه، يترددان بين القلب والميمنة، وكان هؤلاء جمرة الإسلام، وعليهم العمدة في الأحكام، وكل منهما في نحو أربعين طبلخاناة.
قال الراوي: وبلغني من أحد الأمراء أنه سمع بيبرس يقول: أنا عاهدت نفسي الموت، وذلك حين قال له سلار: يا أخي أنت تعلم أن الحديث فينا كثير، وأنا نسبوني إلى التتار لكوني من جنسهم، وأنت نسبوك إلى أنك تبغض الجند، فبالله أوص لأصحابك بالثبات وإلا لا يبقى لنا وجه عند أحد بعد هذا اليوم، وتعاهدوا، ووثق بعضهم بكلام بعض، ثم نشروا السناجق والأعلام الخليفتية والسلطانية، وسيروا النقباء فداروا على الركبدارية والغلمان والجمالة، وجمعوا الجمع، وأوقفوهم صفاً واحداً خلف أستاذيهم ليكثر بهم السواد، ونادى منادي: أي جندي خرج من المصاف بغير عذر أو جرح، فدمه حلال، وعدته وفرسه لهم، وكذلك الجمالة والغلمان.