وإن لاح لهم الإحتراز فليستدركوا فارطهم، وليرحموا أنفسهم وأزواجهم وأولادهم وأموالهم، وليبادروا إلى ما هو السبب للخلاص، ويدخلوا في طاعتنا عن صدق وإخلاص، وليتحققوا أنا لا نريد منهم خزائن ولا أموالاً، فإن الله تعالى قد أتانا من المال ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولى القوة، أغنانا بما أعطانا، عما هو في أيدي من سوانا، وفيما مُنحنا من المملكة العريضة، والسلطنة المُستفيضة، والعساكر والجيوش غير المحصورة، والألوية والأعلام المنصورة، مُتسع وكفاية، بل يخطبون باسمنا، ويضربون الدينار بسكتنا حتى نقرر الجمهور على أمورهم، من أميرهم ومأمورهم، زائدين في الإقطاعات والمشاهرات، والمرتبات والإقرارات.
ولا يخفى عليهم أن الشام كان في الأعوام الماضية، والأيام الخالية، تارة مع الروم وأخرى مع العراق، وعن مصر لا زال منقطع العلاق، إلى زمان تغلب طائفة من أهل الخروج والفتن، فكما كانوا يتصورون أن الثغر هو العراق وديار بكر، فليتصوروا بعد اليوم أنه غزّة وحدود الرمل، وكما كانوا يستمدون منهم علينا، يستمدون منا عليهم، ولا يعتمدوا على القلاع، فإنهم بالمحاصرة يعجزون، ومن الإضطرار يُسلّمون، ومهما تركوا الوساوس والخيالات، وأطاعونا بصدق النيات، فهم في أمان الله الملك العلام، وأمان الرسول عليه السلام، وأماننا في النفس والأهل والمال، ولا صيبهم في عساكرنا أذية في عموم الأحوال.
وكتب في رابع شعبان سنة اثنتين وسبعمائة.
والحمد لله رب العالمين والصلاة على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين أجمعين وسلم تسليماً.
وفي نزهة الناظر: كُتب ونحن بأرض الرحبة، على عزم الركوب، في مستهل شعبان المبارك، وقال أيضاً: واتفق قبل وصول رسله حضور البطائق من حلب، تخبر عن نائب الرحبة ما أخبره.
وكان قد وصل إلى دمشق الأمير ركن الدين بيبرس الجاشنكير بمن معه من الأمراء المجردين، ووقفوا على سائر الأحوال، واتفق أمرهم على أن يكتبوا للسلطان وللنائب يعرفونهم بالحال، ويستحثوهم على الخروج، ثم توارد خيل حلب وحماة أولاً فأولاً.
وكان أهل دمشق عند حضور عسكر مصر اطمأن أمرهم، وطابت نفوسهم، فلما وصلت جفال حلب، أخذ كل أحد لنفسه الخلاص، واعتّدوا للرحيل، واشتروا الدواب للسفر، فوقع اتفاق الأمراء مع نائب الشام أن ينادي بدمشق أن أي من خرج من بيته حلّ ماله ودمه، ثم وقع اتفاق الأمراء أن يجردوا عسكراً من الشام، ويقيمون بين حماة وحمص، فيكون في ذلك قوة وطمأنينة لأهل البلاد، فجردوا الأمير سيف الدين بهادر آص، والأمير سيف الدين قطلوبك المنصوري، وآنص الجمدار، وكتبوا لنائب حماة وطرابلس وحلب أن يركبوا بالعسكر، ويكون الجميع مقيمين بين حماة وحمص، وركبوا إلى أن وصلوا.
وفي بكرة ذلك النهار حضرت جماعة من العربان وأخبروا أن طائفة من المغل قد طرقت نحو القريتين للغارة، فاجتمع الأمراء بنائب حلب وقالوا: ينبغي أن يركب بعض العرب على الهجن ويكشف خبر هذه الطائفة وهم في مثل ذلك، وإذا قد حضر الأمير ثابت بن يزيد وعرفهم أن الخبر صحيح، وطائفة من المغل كبست على القريتين وأخذت وتركمانها وجميع ما فيها من المواشي، ولم يدعوا فيها أحداً، وساقوا أموالاً عظيمة، وأنهم عازمون العود، وبكرة النهار يكونون بالقُرب من عُرض.