قال بيبرس في تاريخه: وعند دخولنا دمشق استبشر أهلها وفرحوا، واتصل بنا اجتماع عسكر حلب صحبة الأمير شمس الدين قراسنقر المنصوري، نائب السلطنة بها، وعسكر حماة صحبة الأمير زين الدين كتبغا المنصوري الملقب بالعادل، وعسكر طرابلس صحبة الأمير سيف الدين أسندمر الكرجي نائب السلطنة بها، ومن كان قد جُرد إليهم من العساكر الدمشقية وهم: الأمير سيف الدين بهادر آص، والأمير سيف الدين آنص الجمدار وغيرهما، واتفق وصول مقدمة التتار إلى قريب القريتين فأغاروا عليها في خمسة آلاف فارس، وبها جمع كثير من التركمان الجافلين بحريمهم وأولادهم وأغنامهم، فوقع التتار عليهم وحووهم وما في يديهم، فاتصل بهؤلاء الأمراء الخبر، فركبوا على الأثر، وجردوا سيف الدين أسندمر، وسيف الدين بهادر آص، وسيف الدين آنص، وسيف الدين تمر الساقي، وشجاع الدين غُرلو الزيني مملوك الأمير زين الدين كتبغا، وهو يومئذ من أمراء حماة، وناصر الدين محمد ولد الأمير شمس الدين قراسنقر المنصوري، في ألف وخمسمائة فارس إلى نحو هؤلاء التتار الذين شنوا هذه الغارة، فساقوا خلفهم إلى مكان يسمى عُرض، فوجدوهم قد نزلوا بما كسبوا، واطمأنوا بما غنموا، وفرحوا بما أوتوا، فأشرفوا عليهم وأقبلوا من أمامهم، فظن هؤلاء أنهم من عسكرهم قد جاءوا في أثرهم، فما تحركوا من أماكنهم حتى خالطوهم واتصلوا بهم، فتحققوا أنهم من العساكر الإسلامية والعصابة المحمدية، فاعتزلوا ناحية وتركوا المواشي والغنائم مهملةً ليتشاغل العسكر بالنهب وينهمكوا على الكسب، فينالوا منهم الغرض إذا تشاغلوا بالعرض، ففطن الأمراء بمكائدهم، وعرفوا أن المكر عادتهم، فما عرجوا على الغنائم، بل تفرقوا على القوم أربع فرقات، وجاءوهم من أربع جهات، ورتبوا أن الفرقة الواحدة تحمل عليهم وتتقدم إليهم، فإذا اشتغلوا بقتالها واستعدوا لنزالها يحيط بهم الفرق الثلاث من سائر الجهات، ففعلوا كذلك وأخلطوا بهم فدهكوهم بهذا التدبير، وغلب القليل من المسلمين جمعهم الكثير، وكسروهم، واستنقذوا التركمان الذين كانوا أسروهم، وخلصوا النسوان والولدان، واقتلعوا منهم المواشي والأموال، وأبلوا بلاءً حسناً، وفازوا بالأجر والثناء، وتفاءلوا بهذه البداية المباركة، وأيقنوا النُصرة المتداركة، وكانت هذه مقدمة لنتيجة الظفر، وقضية موجبة للتأييد المنتظر، سالبة ما استلبه فُراط التتر، ولم يُستشهد في الوقعة إلا الأمير سيف الدين آنص الجمدار، وناصر الدين محمد بن باشقرد الناصري.
وقال صاحب النزهة: كان السبب لغارة المغل على القريتين أن قطلوجاً لما عدّى الفرات طلب بعض أمراء التوامين وقال له: اركب بمن معك من عسكرك، وأغر على طريقك أي جهة رأيتها قريبة منك، واقتل وانهب واسب وسُق ما تجده وما تقدر عليه من أسرى المسلمين، وكان قصد بذلك إيقاع هيبته في قلوب الرعية والعساكر، ثم أنه أول ما جاءت طريقه على القريتين رأى بها بيوت التركمان والعرب والخلق الكثير، وقد سرحوا مواشيهم إلى أن سدت تلك الأرض، فضربوا عليهم حلقة ووضعوا فيهم السيوف، فلما رأوهم صاحوا بالأمان، وأقاموا ذلك اليوم وتلك الليلة، إلى أن ساقوا جميع أموالهم، وأخذوا مواشيهم، وشرعوا في أخذ الرجال والنساء والأطفال، وربطوا الجميع أسرى، وساقوهم بين أيديهم، والرجال تبكي، والنساء يصحن، والأطفال يتصاعون.