قال المجيري: وكل هذا جرى بيني وبينه ولم يكن بيننا غير حاجب واحد وهو يسمع كلامي مشافهة، ولم يحصل لي منه حرج إلا في كلام واحد. قال: ثم سألني قازان فقال: كيف يترك أمراؤكم الرجال ويستخدمون الشباب، وأراد بذلك المُردان.
قال المجيري: فعلمت أنه يريد أذاي، فجاوبته بجواب أسخطه عليّ، فقبلت الأرض وقلت: يحفظ الله القان، إن أمراءنا ما كانوا يعرفون شيئاً من ذلك، وإنما هذا استجدّ في بلادنا لما جاء إلينا طرغاي، فإنه لما ورد كان معه شباب من أولاد التتر، فاشتغل الأمراء بهم عن النساء.
قال المجيري: لما سمع قازان مني هذا الجواب أطرق إلى الأرض وعظم عليه كلامي، والتفت إلى جماعة من أعيان التتر، فتحدث معهم بلسان التتر، وأنا واقف بين يديه، ثم التفت إلى القاضي عماد الدين بن السكري فقال: يا قاضي تشهد على صاحبك بما قال؟. قال: نعم، والله منذ حضرنا بين يديه إلى حين خروجنا من عنده لم يتحدث مع القاضي عماد الدين غير هذا الكلام.
قال المجيري: ثم سألني قازان على لسان حاجبه ما تقول في نسائنا ونسائكم؟ فقبلت الأرض وقلت: أيدّ الله الملك، إنه ملك عظيم، فيقبح أن نذكر النساء في مثل هذا المجلس، إن نساءنا يستحين من الله ومن الناس، فيسترن وجوههن وأما نساؤكم فأنتم أخبر بحالهن. قال: فأطرق قازان رأسه إلى الأرض زماناً، ثم أمر حاجبه أن يحطونا في لفة منجنيق ويرمونها.
قال: فلما خرجنا من عنده توضأ للموت، وقام القاضي عماد الدين ليتوضأ وهو يرتعد وتطقطق أسنانه، فتبسمت، فالتفت إلي وقال: يا حسام الدين هذا وقت الضحك. قلت له: يا قاضي لا تخف فلن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا.
قال المجيري: كان قازان سألني قبل أن أخرج من بين يديه كم يكون في عسكركم مثلك تركي؟ قلت: عشرون ألف من الفرسان، فالتفت الملك غازان إلى أمير علي بن بركنجان - وكان بعيداً منه - فأشار إليه، فدنا منه وقال: ما تقول في حسام الدين؟ أصحيح ما يقوله أم لا؟ قال: والله يا خوند ما قال صحيحاً. وحق رأس القان ما في عسكر مصر مثله خمسة أنفس. قال: فالتفت نحوي وقال: يا حسام الدين تسمع ما قال ابن بركنجان. قلت: وما يقول أيدّك الله؟ قال: يقول إنك ما قلت الصحيح.
قال المجيري: فقبلت الأرض وقلت: يحفظ الله القان هو والله ما قال الصحيح، وهو من جملة الذين ما رضى بهم السلطان أن يستخدمهم في عسكر مصر وأعطاه أربعة آلاف درهم في حلب، ولو وجد في مصر أربعة آلاف ما هرب وجاء إليكم، فالتفت قازان إلى ابن بركنجان فقال له: أنت من عسكر الشام، فأطرق، فقال قازان: أنت لما جئت إلينا ما قلت أنا من عسكر مصر. قال المجيري: قلت وحق رأس القان هو أقل من في عسكر الشام.
قال: ثم لما خرجنا من بين يدي قازان على أنهم يحطونا في المنجنيق إذا بمرسوم ثانٍ أتى بأن يحبسونا في مدرسة هناك ولا يمكنوا أحداً من العبور إلينا لا المهمندار ولا غيره من الناس ممن نعرف وممن لا نعرف. قال: فعلمنا عند ذلك أنه غضبان علينا، وسنذكر ما جرى عليهم بعد ذلك إن شاء الله تعالى.