قال بيبرس في تاريخه: وفي هذه السنة كثرت شكوى الولاة الذين بالوجه القبلي من فساد العربان، وما ظهر منهم من العصيان والنفاق والعدوان، وأنهم لم يزدجروا بالجباية التي أخذت منهم في السنة الماضية، ولم يسيروا مع الرعية والجند السيرة الراضية، بل منعوا الحقوق واعتمدوا العقوق، وقطع أراذلهم الطريق، وهاشوا على الأجناد، وثاروا في البلاد، وأكثروا من الفساد، فسار الأمير سيف الدين سلار، والأمير ركن الدين أستاذ الدار كفيلا المماليك ومشيراها وممهدا الدولة ومدّبراها إلى الأعمال المذكورة في جموع من العساكر المنصورة، وفرقا العساكر ثلاثة فرق ليحيطوا بهم براً وبحراً، ويأخذوهم حيث حلوا سهلاً ووعراً، فتوجهت فرقة من البر الغربي، وفرقة من الحاجر، وفرقة من البر الشرقي، وضربوا على البلاد حلقة كحلقة الصيد، فبقي العربان جميعاً في حلقتهم، وحصلوا في قبضتهم، فما أفلت منهم أحد من ربقتهم، وأخذوهم بنواصيهم وأقدامهم، وجاءوهم من خلفهم وقدامهم، وأذاقوهم الوبال، ونكلوا بهم كل النكال، وأبادوا مفسديهم، وأهلكوا معتديهم، ومزقوهم تمزيقاً، وفرقوهم بيد الحتوف تفريقاً، وأوثقوا مشايخهم بالقيود، وملأوا من رهائنهم السجون، وأخذوا ما كان لهم من خيل وإبل وبقر وغنم، ومنعوا أن يركب أحد من العربان فرساً أو يحمل سلاحاً، فانطفأت جمراتهم، وزالت مضراتهم، وتمهدت تلك الأعمال تمهيداً واضحاً، وعاد من سلم من مفسدي العرب فقيراً صالحاً، وحمل أكثرهم السواك والسبحة، عوضاً عن حمل الرماح والأسلحة، وكان الذي أُخذ من موجودهم وسيق من خيولهم خمسة آلاف فرس، وعشرون ألف جمل، ومائة ألف رأس غنم، سوى الأبقار والأتن والأغنام، وتركوهم على الديار، وعادوا في أواخر شعبان وقد فرغوا من أمر العربان وتمهيد البلدان، فخلع عليهم السلطان.

وقال صاحب النزهة: وفيها كثر فساد العرب بالوجه القبلي، وقطعوا الطريق، وأوغلوا إلى أن كانوا يدخلون مدينة أسيوط ومنفلوط ويقتسمون تجارها، ويأخذون من كل واحد مبلغاً على زي الجالية، وتسمى كل واحد منهم باسم أمير من أمراء البرجية، وأمروا من بينهم كبيرين، فسموا أحدهما بيبرس والآخر سلار، ومنعوا حقوق الجند والأمراء من المغل، وكانوا يهجمون على السجون ويخرجون منها المفسدين.

ثم اتفق الأمراء على الخروج إليهم، وطلبوا ناصر الدين محمد بن الشيخي متولي الجيزة، وقالوا له أن يمنع سائر المسافرين في البر والبحر، وأي من خرج من مصر شنق، وأشاعوا بالتجهيز إلى الشام، وكتبوا الأوراق بأسماء المقدمين، كل مقدم بمضافيه من الأمراء والأجناد، فكانوا أربعة وعشرين مقدماً بمضافيها، وافترقوا أربع فرق: فرقة في البر الغربي، وفرقة في البر الشرقي، وفرقة في البحر بالحراريق، وفرقة في الطريق السالك، واتفقوا أن يضعوا السيف في الكبير والصغير والرضيع، والحقير والجليل، ولا يرحموا شيخاً ولا صبياً، ولا يبقوا على أحد من الذين يظفرون به، ولا يقع لهم في قلبهم رحمة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015