ليعلم الأمراء والنواب والولاة والقضاة والسادة والصدور والناس كافة بممالك الشام والسواحل أن جدنا جنكزخان كان ملكاً وابن ملك إلى سبعة جدود في بلاد المغول، وحيث أيده الله تعالى ملك بسيفه ربع الأرض المسكون، ولم يبلغنا في تاريخ من التواريخ من لدن آدم عليه السلام وإلى يومنا هذا أن ملكاً ملك من الأقاليم ما ملكه، ولا تيسر له من التأييد ما تيسر له، ونحن سادس ملك من صلبه، وكان قد سبق في تقدير الله أن يصيب أولاده ممن سلف قبلنا عين نافذة، فوقع بينهم الخلف وطال التنازع بينهم سنين كثيرة، فاجتمع من بقايا سيوفهم أمم مختلفون يتسترون في الأكنان ويتغيبون في أبعد المكان، وكان منهم سكان مصر والشام، واجتمع بها من المماليك والخوارج زمرة غرّتهم سلامتهم من المغل المشتغلين عنهم بما كان أهم عندهم منهم، وطفقوا كل قليل يختارون من بينهم مملوكاً من أرذل الأجناس، فيملكونه على الإسلام، ويحكمونه في رقاب الأنام، وحسبوا أن ذلك تدبير الملك، ولم يتعرفوا طريق النجاة من الهلك، حتى وصلت نوبة المملكة إلينا، وزفّت عروسها علينا، زين الله قلوبنا بالإسلام، وأبهجها بأنوار الإيمان، وكان من الواجب المتعين وأدب الملوك الهين أن هؤلاء المماليك يهنئوننا بما وهب الله لنا من الملك العظيم وهدانا إليه من الصراط المستقيم، ويرسلون إلينا رسلهم بتحف السلاطين، ويجدون في استجلاب مودتنا أوضح القوانين، فمرت على ذلك ثلاث سنين، وهم يجهلون حقوق الأدب، ولم يؤدوا من عوائد الملك ما يجب، ولما علموا أننا دخلنا في الإسلام راغبين، ولرضى الله سبحانه طالبين، حسبوا أنهم إذا فتحوا إلينا طريق المودّة جاءنا أكثر عسكرهم هاربين، ولم يكن لهم من التمييز أن يعلموا أن الملك يؤتيه من يشاء من عباده، وقد ملّك كثيراً من الكفار أكثر بلاده، كما بلغهم عن جنكزخان وعن كثير ممن كان، ولو كان نيل الملك بالتقوى لكان بنو فاطمة عليهم السلام على الخلافة أقدر وأقوى، ولم يرضوا بذلك حتى سلكوا من التهجم والتقحم أقبح المسالك، وقصدوا طرفاً من أطراف بلادنا على غرّة، وهجموا عليها على فترة، وكذلك سلامش لما تسحب خوفاً من ذنوب اقترفها وديون ارتكبها حموه، وأنفذوا معه عسكراً، وقصدوا أن يشعثوا الروم، وقد يكون حتف المغرور فيما يروم.

فلما رأيناهم قد تجاوزوا في البغي غاية الحد، واتخذوا المملكة لعباً واتكلوا على الجد، واغتروا بعدم التفاتنا إليهم، فكان ذلك وبالاً عليهم، لأنا رفعنا التنازع بيننا وبين أقاربنا، وجعلنا قصد مهلكتهم من مطالبنا، خشينا أن جيوشنا تستأصل من المسلمين الأصاغر والأكابر، فأرسلنا إليهم رسلاً ينذرونهم ويحذرونهم ويذكرونهم، فحبسوا الرسل وقطعوا السبل، ثم حملهم الجهل والغرة على مقابلة جيوشنا ومقاتلتهم، وتمثلوا في أنفسهم الغلبة فأقدموا على مماثلتهم، وكانوا قد عاجلونا وأكثر عساكرنا لم يركبوا خيولهم ولم يشهدوا الحرب، لما لم يعلموا تعجيلهم، وما لقيهم غير تسعة آلاف كانوا قد ركبوا معنا، فلقونا بأجمعهم، وما قابلوا جمعنا، وكان من أمرهم ما كان، وتبين لذوي البصائر أن الله لم يرض منهم ذلك العدوان، فاجتمعت معنا أمراء دولتنا، وذكروا لنا أن هذه الطائفة من المماليك لهم أربعون سنة يقصدون الحصون فيخربونها، والمدن المستصعبة فيدمرونها، حتى إنهم خرّبوا من البلاد وقتلوا من العباد ما يعادل أهل مصر والشام، وأوضحوا في ذلك مقول الكلام، والمصلحة أننا نشن الغارة على الشام من غزة إلى الفرات، وينقل من فيها من الرعية فيعمر بها ما خربوا ليقابل الفاسد بمثله، فما قبلنا مشورتهم، وقلنا: نحن لم نرض فعلهم، فنصير بما فعلوا مثلهم، وأعرضنا عن ذلك، ورحمنا الرعية، وجعلنا مأمنهم أول نعمة الله عليهم، ومبدأ عطية، وإن كان قد وقع إلى أحد من عساكرنا بعض من استضعف فقد أمنه بانتزاعه من يد من استلبه، حتى يبلغ برجوعه إلى أهله إربه، فأرسلنا إلى أهل القلاع والجبال والأعراب والتركمان والعشائر كتب الأمان ليكونوا في أمان الله ورسوله وأماننا، وإذا خفت العساكر من هذه البلاد ردّ كل إلى وطنه، ورجع كل إلى سكنه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015