ولقصدنا مصلحة الرعايا وحمايتهم، رتبنا مولاي وجبجك وأبشغا وبغا وهلاجو وقرابغا وبهادر مقدمين على أربعين ألف فارس، وتركناهم على غزة والغور، وأمرنا الأمير سبا أن يقيم على حلب وحماة وحمص في عشرين ألف راكب، وأعطينا الأمير سيف الدين قفجق نيابة السلطنة بدمشق، ورتبنا الأمير سيف الدين بكتمر نائب السلطنة بحماة وحلب، والأمير فارس الدين إلبكي نائب السلطنة بصفد وطرابلس والسواحل، وجعلنا ملك الأمراء والوزراء ناصر الدين يحيى شادا على الدواوين في هذه الأقاليم كلها، فكل من أعطاه أحد من هؤلاء الأمراء أماناً فهو أماننا، وكل جندي أراد خدمتنا فقد أمرناهم أن يعينوا له إقطاعاً يليق به، وليثقوا بما أودعه الله لهم في قلوبنا من الرأفة وحسن النية، وليطيعوا هؤلاء الأمراء طاعة موفقة، ولا يتخلف أحد عن طاعتهم، فقد أخذنا عليهم العهود بالعدل والشفقة، وإن خالف أحد أو عصى فلا بد أن يذوق كأس الردى، والله تعالى يجمع قلوب رعايانا على الهوى، إن شاء الله تعالى.

الثالث من الفرامين: فرمان الأمير سيف الدين قفجق: بتقوى الله وميامين الملة المحمدية، فرمان السلطان محمود غازان: الحمد لله الذي جرّد لنصر هذه الدولة القاهرة سيفاً قاضياً، وانتضى لتأييدها من أوليائها قاضياً قاضياً، وارتضى لها من أصفيائها من أصبح الملك عنه راضياً، نحمده ونشكره على نعمته التي أورثتنا الممالك، وجمعت لنا ما بين النصر والفتح وما أشبه ذلك، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة تنيل النجاة وترفع الدرجات، ونشهد أن محمداً نبيه المرسل بالهدى والصدق، والمبعوث بدين الحق صلى الله عليه صلاة تنيله الوسيلة والفضيلة، وعلى آله خير آل وأشرف قبيلة، وبعد: فإن الله تعالى لما منّ علينا بالإيمان، وهدانا إلى أشرف الأديان، حمدناه وشكرناه على أنه أضاف إلى ملكنا للدنيا ملكنا للآخرة، وجلل علينا حلل الدين الفاخرة، ونذرنا أن نعم الرعيّة بعدلنا، ونشمل البرية بفضلنا، وأن لا نسمع بمظلوم إلا نصرناه، ولا نطلع على مقهور إلا أنقذناه، فلما اتصل بنا ما بمصر من المظالم، ومن فيها من غاضب وظالم، هاجرنا لنصر الله تعالى ونصرة الدين، وبادرنا لإنقاذ من فيها من المسلمين، وراسلناهم وأنذرنا، وكاتبناهم وزجرناهم، ووعظناهم فلم تنفع فيهم العظة، وأيقظناهم فلم تكن فيهم يقظة، فلقيناهم بتقوى الله تعالى، فكسرناهم وقطعنا آثارهم، وملّكنا الله تعالى أرضهم وديارهم، وتبعناهم إلى الرمل وحطمناهم كما حطم سليمان وجنوده وادي النمل، فلم ينج منهم إلا الفريد، ولا سلم إلا البريد، فلما استقر تملكنا البلاد وجب علينا حسن النظر في العباد، فأحضرنا الفكر فيمن نقلده الأمور، وأمعنا النظر فيمن نفوض إليه مصالح الجمهور، فاخترنا لها من يحفظ نظامها المستقيم، ويقيم ما أباد من قوامها القويم، يقول فيسمع مقاله، ويفعل فتقتفى أفعاله، يكون أمره من أمرنا، وحكمه من حكمنا، وطاعته من طاعتنا، ومحبته هي الطريق إلى محبتنا، فرأينا أن الجناب العالي الأوحدي الكفيلي المجاهدي الأميري الهمامي النظامي السيفي، ملك الأمراء في العالمين، ظهير الملوك والسلاطين قفجق، هو المخصوص بهذه الصفات الجليلة، والمحتوي على هذه المناقب الجميلة، وأن له حرمة المهاجرة إلى أبوابنا، ووسيلة القصد إلى ركابنا، فعرفنا له هذه الحرمة، وقابلناه بهذه النعمة، ورأينا أنه لهذا المنصب حفيظ قمين، وعلى ما استحفظ قوي أمين، وأنه يبلغنا الغرض من حفظ الرعايا، فأقمناه مقامنا في العدل والقضايا، فلذلك رسمنا أن نفوض إليه نيابة السلطنة الشريفة بالممالك الدمشقية والبعلبكية والحمصية والساحلية والجبلية والعجلونية والرحبية من العريش إلى سلمية، نيابة تامة عامة، كاملة شاملة، يؤتمر فيها بأمره، ويزدجر فيها بزجره، ويطاع في أوامره ونواهيه، ولا يخرج أحد عن حكمه ولا يعصيه، له الأمر التام والنظر العام، وحسن التدبير وجميل التأثير والإحسان الشامل لأهل البلاد، واستجلاب الغزاة والقوّاد، وتأمين من يطلب الأمان والطاعة والامتنان متفقاً في الاستخدام والتأمين مع ملك الامراء ناصر الدين، فإن اجتماع الآراء بركة، والهمم تؤثر إذا كانت مشتركة، وكل من أمّناه فإنه أماننا أجريناه على قلمهما ولسانهما.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015