وأيضاً من أفعالكم المذمومة أن تنصبوا في كل شهر وعام سلطاناً، وتبايعون وتحلفون على طاعته والإعراض عن مخالفته، ثم تخالفونه بعد قليل، وتقتلون ذوي الأمر منكم خلافاً لما أمر الله في كتابه العزيز بطاعة أولى الأمر منكم. وتنقضون ميثاقكم، ولم توفوا بعهدكم حتى تصيروا من " الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل، ويفسدون في الأرض أولئك هم الخاسرون "، وأي جرح أقبح من هذا.

وأما سائر أخلاقكم وعدم مشروعيتها فهي واضحة غير خافية، ومستغنية عن الشرح والتفصيل. فقد وافقنا مع عمنا خان الأعظم وسائر أعمامنا وإخوتنا وعشائرنا فمنهم: قايدو، ونوقاي، وتوفتا، وقرمجي، وطو، وغيرهم، وها نحن متوجهون بأنفسنا إلى تلك البلاد بالعساكر الكثيرة التي مالا نهاية ولا حدّ، والكتائب الجرارة التي لا تحصى ولا تعدّ، ومن ولاية الإفرنج والروم والتكفور وديار بكر وبغداد بعثوا أفواجاً كثيرة لا تعد، وجعاً غفيراً لنهدي بهم سبيل الرشاد، وندفع عن سائر المسلمين الشر والفساد.

فإن كنتم تتبعون الهدى وتستقبلون عساكرنا المنصورة، فنحن في هذه النهضة الميمونة عازمون على أن لا يصدر عن أمرنا المطاع إلاّ إطفاء النائرة، ومحافظتهم في الأمن والأمان، ليستريح المسلمون في عهد الشفقة والإحسان؛ تعظيماً لأمر الله وشفقة على خلق الله، وقد حرّمنا على عساكرنا المنصورة التعرض إلى نفوس المسلمين والطموح إلى أموالهم، فإن لم تسمعوا ما رسمنا ونصحنا:

السيف أصدق أنباءً من الكتب ... في حدّه الحدّ بين الجدّ واللعب

ولما كانت همتنا المنصورة مقصورة على وضع قواعد العدل والإنصاف وعزمتنا المنيفة مصروفة إلى رفع قوانين الزور والاعتساف بحيث يستقيم الأمر في مركزه تأسّياً بقوله تعالى: " يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض " الآية. ولهذا توجهنا إلى تلك الجهات، وكيف يجوز تعذيب الرعية من غير جريمة صادرة عنهم لا سيما سفك دمائهم وسبي حريمهم، فتجب علينا محافظتهم ودفع الأسواء عنهم بموجب قوله صلى الله عليه وسلم: " كلكم راعٍ وكل راعٍ مسؤول عن رعيته ". والتزمنا بمحافظة الرعية في أنفسهم وأموالهم، والسعي في ترفيه خواطرهم وتطييب قلوبهم، فينبغي أن يسكنوا في دورهم آمنين مستكنين، ويقيموا أسواقهم ويرتبوها، ويشتغلوا بالكسب والمعاملات بعد أداء وظائف العبادات وإقامة مراسم الطاعات، داعين لدوام هذه الدولة القاهرة، ودوام أيامنا الزاهرة؛ إذ وجب عليهم وعلى كافة المسلمين طاعتنا لقوله تعالى وأمره بطاعة أولى الأمر منكم؛ وعليهم أن يخطبوا على المنابر باسمنا، وعند قرب الوصول إلى بلادهم يستقبلوننا، وتصاحبنا القضاة والعلماء والصلحاء والمشايخ والسادات والفقهاء مرشدين إلى المزارات المباركة من مشاهد الأولياء ومواقف الأنبياء، مستوهبين من الله تعالى التوفيق لنيل مثوباتهم، وإحراز بركاتهم، وبعد ذلك نقصد الإحرام بحجة الإسلام وزيارة بيت الله الحرام، سيما وهو أكبر قواعد الإسلام؛ إذ هو على كافة لقوله عز وجل: " ولله على الناس حجّ البيت من استطاع إليه سبيلا ".

وقد نذرت يميننا على ذلك، وانعقد نذر بأنه ينادي من جهتنا بأن جميع المسلمين وسائر المتوكلين في أمان من الله ورسوله، ويكونون مطمئنين، فارغي البال، رافعي الحال، ونحن عاهدنا الله ورسوله على جميع ذلك، وإذا وقفوا على ما أنفذنا إليهم يبعثون إلينا من يعرف أحوالهم، وخلوص عقيدتهم، وصفاء طويتهم حين نعين الشحاني المعتبرين. وفي صحبتهم التواقيع والفرامين ليحفظوا البلاد، ويقيموا الأسواق، ولا يمكنوا أحداً من الظلم والجور، ولا تشويش خواطرهم، لأن العسكر المجهز إليهم معهم ما يكفيهم سنة وأكثر، فاستراحوا من ذلك.

فإذا تشرفوا بمطالعة هذا التوقيع الشريف، وامتثلوا مقاصده وفحواه فقد فازوا فوزاً عظيماً، وإلاّ فقد خسروا خسراناً مبيناً، وعقاب ذلك سفك الدماء وغارة الأموال بوقوع الهرج والمرج، ونحن نبرأ من ذلك، وقد أعذر من أنذر " والسلام على من اتبع الهدى ".

الثاني من الفرامين: كتبه عند رحلته من الشام، فقريء بجامع بني أمية، بقوة الله وميامين الملة المحمدية، فرمان السلطان محمود غازان:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015