وكان كرجى على ما كان عليه من قصر القامة شجعا، فارس الخيل، وقد تعلم فنون الحرب، ولم يزل في مراددة الخيل الواصلين إليه إلى أن قابله صمغار ابن سنقر الأشقر واصطدم هو وإياه، فتطاعنا ساعة، فأدركه محمد شاه المعروف بالأعرج الخوارزمي، وكان من الفرسان المجيدين، وقابله وما زال يتطارد معه إلى أن رماه إلى الأرض، فاجتمعت الجند عليه فذبحوه وأخذوا رأسه وأتوا بها إلى الأمير بدر الدين أمير سلاح والحسام الأستاذ دار، والأمراء وقوف عند الطبلخاناه، ورموا برأسه بين أيديهم، ففرحت الأمراء وتباشروا، ثم تفرقوا، ورجعت المجردون إلى بيوتهم.

وفي تاريخ النويري: هرب كرجى حين علم بقتل طقجى، فلحقوه آخر القرافة فقتلوه هناك.

وقال بيبرس: هرب إلى ظاهر مصر فأدركوه عند قبور أهل الذمة، فقتلوه هناك، فصرعه بغيه وأهلكه غيه، ولله أن در القائل:

قضى الله أن البغي يصدع أهله ... وأن على الباغي تدور الدوائر

ذكر عود الملك الناصر محمد بن قلاون إلى السلطنة

ولما جرى ما ذكرنا طلعت الأمراء الأكابر إلى القلعة في ثاني اليوم الذي قتل فيه طقجى وكرجى، واتفقت آراؤهم على النزول إلى الأمير بدر الدين أمير سلاح وتكون المشورة بحضرته لأجل أمر السلطنة، فنزلوا إليه وشاوروه في ذلك، وأقاموا يترددون إليه يومين والثالث إلى أن اتفقت آراؤهم على أن يسيروا بعض الأمراء إلى مدينة الكرك ليحضروا الملك الناصر منها؛ ليجتمع شمل أهل الإسلام وتسكن الفتن بينهم، فإن مماليك السلطان البرجية جميعهم التفت على الأمير ركن الدين بيبرس الجاشنكير، والمماليك الصالحية والمنصورية وبعض الأشرفيه التفت على الأمير سيف الدين سلار الصالحي، فأرادوا أن يسكنوا خواطر الناس بحضور ابن أستاذهم وسلطانهم، وأن يحفظوا دولته إلى أن يبلغ مبلغ الرجال، فاتفقوا على ذلك، وقصدوا قتل من مسكوا من المماليك الذين شاركوا في قتل السلطان، ثم أخروا ذلك إلى وقت حضور السلطان من الكرك.

واتفق رأيهم على تسيير الأمير علم الدين سنجر الجاولى، والأمير سيف الدين آل ملك الجوكندار، وجهزوا لهما الهجن وما يحتاجان إليه.

واتفقوا على أن تكون الكلمة بينهم متفقة واحدة، فكانوا يجلسون ويحكمون وتكتب الكتب بالعلائم، فأول من يكتب علامته الأمير حسام الدين لاجين الأستاذ دار، ثم الأمير عز الدين أيبك الخزندار، ثم الأمير سيف الدين سلار، ثم الأمير سيف الدين كرد الحاجب، ثم الأمير جمال الدين أقوش الأفرم، ثم الأمير جمال الدين عبد الله السلحدار، ثم الأمير ركن الدين بيبرس الجاشنكير وكانوا إذا كتبوا كتبا لسائر النواب يكتب عن ألسنة هؤلاء الأمراء ويحط كل منهم علامته عليه، ثم ينزل الجميع يوم الاثنين ويم الخميس إلى خدمة الأمير بدر الدين أمير سلاح، ويأكلون على سماطه، ويستشيرونه فيما يفعلونه، فإنه كان هو المشار إليه من الأكابر، وهو الذي سكن الفتنة بينهم في ذلك الوقت وأشار أن المسلمين لا يسكنون إلى أن تجتمع كلمتهم على ابن أستاذهم، فإنهم مماليك أبيه وأخيه، وهو وارث ملكهم، ومالك عقدهم وحلهم، وقطع من الجميع علائق الطمع، وعرفهم أن حضوره وتملكه عليهم أحق وأولى، وإن كان صغير السن وأنتم تدبرون أمره برأيكم.

ثم كتب كتابا من عنده إلى الملك الناصر، وكتابا آخر إلى جمال الدين أقوش نائب الكرك وعرفه ما اتفق من الوقائع في مصر وأن يجهز السلطان إلى الحضور لملكه.

وكان الأمير عز الدين أيبك الخزندار يجلس مكان النيابة والأمراء دونه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015