وكتبوا أيضا كتبا لوالدة الملك الناصر وعرفوها بالوقائع وطيبوا خاطرها، فأخذ نائب الكرك الكتب ودخل بها عليها وعرفها مضمونها، فظنت أن هذا مكر من حسام الدين لاجين أراد بذلك إحضار ولدها وقتله، فأبت وامتنعت، ولم تعلم أن الإرادة الإلهية حكمت له بالسعادة الطويلة، ثم إن نائب الكرك قال لها: إن امتناعك عن هذا يورث فسادا كثيرا بين المسلمين، ويوقع فتنا وسفك دماء، وحلف أن هذا الأمر حقيقة ليس فيه مكر ولا خديعة، وما زال بها إلى أن أجابت إليه، وقبلت كلامه، لما كان من سبق إحسانه إليها وإلى ولدها الناصر عند حضورهما إلى الكرك، وكان كل يوم يمد السماط بين يدي الملك الناصر ويقف هو مكان النيابة، وراعى ترتيب المملكة معه مدة إقامته في الكرك إلى حضور الأمراء بطلبه، ثم شرع في تجهيزه بما يليق به وسافر صحبته إلى أن وصل إلى مصر، فلما قرب منها ركبت إليه سائر الأمراء ولاقوه، فلما وقع نظره عليهم ترجلوا كلهم وقبلوا الأرض، وتباشروا بقدومه، وكان يوما مشهودا عظيما، ولم يبق في ذلك اليوم أحد من الأمراء والمقدمين والجند والعامة إلا وقد خرج إليه ولاقاه، وعند طلوعه أجلسوه على التخت، وجلس الأمير بدر الدين أمير سلاح والأمراء الكبار، وكان دخوله يوم السبت الرابع من جمادى الأول من هذه السنة.

وفي يوم الاثنين السادس من الشهر المذكور حلف له سائر الأمراء، وعليه خلعة الخلافة، وهو ابن أربع عشرة سنة، وزينت القاهرة ومصر، ودقت البشائر.

وكان خلو التخت من السلطنة من يوم قتل لاجين إلى يوم حضور الناصر أحدا وأربعين يوما، وبقى الأمر شورى بين ثمان أمراء لا ينفذ أمر إلا بهم ولا يخرج مرسوم إلا بخطهم أجمعين وهم: بيبرس، وسلار، وأيبك الخزندار، وعبد الله السلحدار، وبكتمر أمير جندار، والحسام أستاذ الدار، وأقوش الأفرم، وكرد الحاجب.

وقال بيبرس في تاريخه: ولما استقر الناصر بالقلعة المحروسة استدعى الأمراء الكبار، فحضروا بين يديه، وهم الأمراء المذكورون، وقال: وبيبرس الدوادار مدون هذه الآثار، فوقع اتفاق الآراء؛ واجتماع الأمراء على أن يستقر الأمير سيف الدين سلار نائب السلطنة، والأمير ركن الدين بيبرس الجاشنكير أستاذ الدار، والأمير بكتمر جندار، والأمير سيف الدين قطلوبك حاجبا، والأمير شمس الدين الأعسر وزيرا، وفوضت نيابة السلطنة بدمشق إلى الأمير جمال الدين أقوش الأفرم، وأرسل الأمير سيف الدين كرد إلى الحصون نائبا؛ وأفرج عن الأمير شمس الدين قراسنقر الجوكندار من الاعتقال وأعاده إلى ما كان عليه من الإمرة، وأنفق في العساكر نفقة عامة، فسرت به الخاصة والعامة.

وفي نزهة الناظر: أرسل الأمير سيف الدين كرد الحاجب نائبا بطرابلس، عوضا عن الأمير عز الدين الموصلي بحكم وفاته، واستقر سيف الدين قطلوبك حاجبا، عوضا عن كرد، وكان ممن تأمر بدمشق فأخرجه لاجين إلى حلب ثم عاد إلى مصر واستقر فيها.

قال: ثم اتفق الحال على كتب الكتب إلى سائر النواب الشامية والحلبية وسائر الممالك، وسيروا بها الأمير علاء الدين مغلطاى الدمشقي، ثم اجتمع رأيهم على الإفراج عن الأمراء المسجونين وهم: شمس الدين قراسنقر، والأمير سنقر الأعسر، والأمير عز الدين أيبك الحموي، ورسموا أن يكون قراسنقر نائب الصبيبة وأعمالها؛ وولوا فخر الدين بن الخليلي وزيرا؛ ثم بعد أيام قليلة عزلوه؛ وولوا سنقر الأعسر في شهر رمضان.

ولما وصل الأمير جمال الدين أقوش إلى دمشق أفرج عن الأمير سيف الدين جاغان الحسامي وولاه البر.

ووصل كتاب نائب حلب بوصول الأمراء إلى البلاد؛ وفي خدمتهم أمراء المغل.

وذكر ابن كثير أن الأمراء الذين قفزوا إلى قازان إنما كان في أول هذه السنة، وإنما نحن ذكرناهم في السنة الماضية نحو ما ذكر بيبرس في تاريخه.

وقال ابن كثير: جاءت الكتب إلى نائب الشام سيف الدين قفجق فوجدوه قد قفز خوفا من غائلة لاجين، فسارت البرد وراءه فلم يدركوه إلا وقد اجتمع بالمغول عند رأس العين من أعمال ماردين، وتفارط الحال ولا قوة إلا بالله.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015