ثم جلس طقجى وكرجى على باب القلعة وعرضا مماليك السلطان فاختارا منهم أربعمائة مملوك من خيارهم يكونون في خدمة طقجى ويركبون معه عند نزوله، ووصاهم أن يكونوا متيقظين على أنفسهم ولا يفارقون طقجى ويحفظونه إلى أن يرجع، وجهز لهم كرجى من الإصطبل خيار الخيل وخيار المراكيب.

فلما أصبحوا ثاني اليوم ركبت سائر الأمراء ووقفوا ينتظرون ركوب طقجى إلى أن نزل في عصبة شديدة وموكب كبير، وكان الأمير سيف الدين كرد الحاجب أيضا راكبا مع الأمراء والجند في موكب كبير، ولم يبق في القاهرة أحد من العامة والسوقة إلا وقد خرج للتفرج، وكان يوما مشهودا، ثم سارت الأمراء والعسكر كلهم إلى أن التقوا، وفسح الحجاب طريقا لطقجى، فساق إلى أن اجتمع بالأمير سلاح، فتصافحا على الخيل وقبل طقجى يده، ومشى إلى جانبه إلى أن وصلوا إلى قبة النصر.

فساق كرد الحاجب من وسط الموكب وقال للأمير سلاح: يا خوند الأمير يطلع إلى القلعة أو يروح إلى بيته، فقال الأمير سلاح: المرسوم مرسوم السلطان، وأنا موجوع من رجلي، فإن رسم بالطلوع طلعت. فقال له كرد: يا خوند وأين السلطان؟ فقال: ما هذا الكلام؟ فقال: السلطان - تعيش - قتله الأمير، فقال: من قتله؟ فقال كرد هذا قتله، وأشار إلى طقجى، فلما سمعه طقجى قال: نعم أنا قتلت السلطان؟ بالإنكار. قال كرد: نعم. قال طقجى: تكذب، وما خرج الكلام من فمه حتى ضربه بعض المماليك البرجية بالسيف على كتفه اليمين فلم يقطع منه شيئا، فلما أحس بالسيف ركض فرسه وخرج من الحلقة التي كان واقفا فيها مع الأمراء، فأشهرت بعد ذلك السيوف ووقعت الضجة والغلبة، وارتفع الغبار حتى لا يرى بعضهم بعضا.

ورأى كرد الحاجب أن مماليك السلطان داروا بطقجى يحفظونه، فقال لهم: يا أولادي أنتم نزلتم حتى تقابلون هذا الرجل الكبير أتابك العساكر، وإذا رآكم على هذا الحال لا يعتقد إلا أنكم نزلتم لأجل قتاله، فيحصل بذلك فتنة كبيرة، وما زال يتلطف بهم إلى أن أخرجهم من الحلقة وأوقفهم بمعزل من الناس، ثم ساق كرد، وجاء إلى الأمير سلاح وقال يا خوند: متى ما وليت عن العسكر ههنا يهلك أهل الإسلام، وكان قد قصد أن يخرج من بينهم ويذهب، فعند ذلك أمر بأن ينشر سنجقه ويحرك النقارات حربيا، ولما رأت الناس ذلك اجتمعت المماليك كلها، وقامت ساق الحرب، وبقى طقجى وحده وخلفه سلحدار واحد، ونظر إلى العسكر وقد ضربوا عليه حلقة، ولم يبق معه أحد من المماليك، فقصد أن يلتجئ إلى أمير سلاح ويستجير به، فصادفه قراقوش الظاهري والتزق به، فضربه بالسيف، فجاءت الضربة في وسط حنكه، فقطع وجهه قطعتين وفصل الحنك من الوجه ووقع إلى الأرض، واجتمعت عليه الخيل، فبقى طريحا، فجاء أمير سلاح ووقف عليه وأمر بأن يشال على قبر عال، ويحمل إلى تربته.

قال صاحب النزهة: فرأيته وقد سلب جميع ما كان عليه، ولم يجدوا شيئا يحمل عليه غير مزبلة من مزابل الحمامات، فوضع على بهيمة، ودارت به الناس إلى أن أوصلوه إلى تربته التي عمرها بجوار إصطبله ومدرسته.

ذكر مقتل كرجى

لما قتل طقجى وانهزمت المماليك الذين نزلوا صحبته كانت طائفة منهم هربت نحو القلعة، وأخبروا كرجى بأن العسكر جميعهم اجتمعوا على طقجى وهم في قتال معه، ولم يعرفوا أنه قتل أو بالحياة، فنهض كرجى من وقته وطلب سائر المماليك السلطانية الذين في القلعة، وفتح الزردخاناه وأخرج منها العدد وآلات الحرب وفرقها، وأمر بشد الخيل من إصطبل السلطان، ونزل في خمسمائة مملوك، ووقف تحت الطبلخاناه على أنه منتظر خبرا ثانيا، ثم ترادفت المماليك المنهزمة والذين حضروا مقتل طقجى، وعرفوا كرجى أنه قتل، وأن العسكر جميعهم قاصدون إليك، فوجد لذلك أمرا عظيما وقوى نفسه على ملاقاتهم بمن معه، ثم نظر إلى من معه، فرأى منهم من يناجز إلى ورائه، ومنهم من يلوى عنان فرسه، وعرف أن الأمر قد انحل ولم يبق معه غير مماليك نفسه، وأول العسكر قد بدأ وأعلامهم منشورة، فأثنى عنان فرسه إلى نحو القرافة، وتبعته الحرافيش وصاحوا عليه، وكان متولى القاهرة في ذلك الوقت ناصر الدين الشيخي، فصادفه وهو طالع من الصليبة وهو سائق، وقصد أن يرده، فرجع إليه وضربه بالسيف، فخرج فرسه، وساق إلى أن وصل بساتين الوزير، والخيل وراءه أولا فأولا، وهو يرجع إليه ويردهم عنه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015