فقام كرجى بينهم يتكلم، فقال اسمعوا له، وقال: يا أمراء أنا الذي قتلت السلطان لاجين، وأخذ ثأر أستاذي، والملك الناصر الذي في الكرك صغير لا يصلح أن يكون سلطانا، وما يكون سلطان إلا هذا، وأشار إلى الأمير طقجى، وأكون أنا نائبه، فأنا ما فعلت الذي فعلت إلا أن أكون أنا وهو ها هنا، والذي يقول غير هذا يقول قدامي، قلم يقدر أحد من الأمراء أن يرد عليه الجواب، فسكتوا عن آخرهم، وبقى كل واحد ينتظر جواب غيره، فأجاب الأمير سيف الدين كرد الحاجب وقال: يا خوند الذي فعلته أنت قد علمه الأمراء، وخاطرت بنفسك، ومهما أردت ما ثم من يخالف، وانفض هذا المجلس على أن موافقة الأمراء على ما يختاره.

وفي ذلك اليوم وقعت بطاقة الأمير بدر الدين أمير سلاح، وصحبته الأمراء المجردة، وهي من أيام لاجين، كما ذكرناه، بأنهم قد وصلوا إلى الصالحية، قصد الأمير حسام الدين الأستاذ دار وكرد الحاجب إلى خدمة كرجى، وقالا له: إن الذي اخترته قد حصل، ولم يبق غير حضور هذا الرجل الكبير العقل، وهو موافق لنا في كل ما تختاره، وانقضى الأمر على هذا.

ثم كتب الأمراء الكتب في الليل إلى خشداشيتهم من الأمراء الواصلين، وعرفوهم بجميع ما جرى، وأن كرجى وطقجى قد قويت شوكتهما، وأرادا أن تكون السلطنة لطقجى والنيابة لكرجى، ووقع اتفاقا معهما على ذلك من غير اختيار منا، وإنما أكرهانا على ذلك، وعرفوهم أن يأخذوا حذرهم، ويعملوا في رأيهم على الأمير بدر الدين أمير سلاح، ويتقيدوا برأيه في جميع ما يرسم به، وأنهم منتظرون ما يرى في أمرهم وأمر الأمراء الذين بمصر، إن الأمراء المجردين إذا وصلوا إلينا يقوى أمرنا، ويشتد قلبنا.

ووقع الاتفاق أيضا من كرجى وطقجى وشاورشى والمماليك الأشرفية أن يكون كلهم يد واحدة، وتكون كلمتهم متفقة على أن تكون السلطنة لطقجى، والنيابة لكرجى، وعينوا لجماعة من حاشيتهما بإمريات وإقطاعات، واتفقوا على أن أحدا منهم لا ينزل من القلعة، ولا يلتقوا ببدر الدين أمير سلاح، ولا الأمراء المجردين الذين معه، وأن يظلوا مقيمين بالقلعة إلى حين طلوع الأمراء، ثم يتفقون عليهم، ويفعلون ما يختارونه.

فبقى الأمر على ذلك إلى أن وصلت العساكر إلى بركة الحجاج وكان ذلك في النصف من شهر ربيع الآخر من هذه السنة.

ذكر قدوم الأمراء المجردين ومقتل طقجى

لما وصلت العساكر إلى بركة الحجاج، ودخل بعضهم المدينة، شرعت الأمراء المقيمون بمصر في تجهيز الملاقاة، وشاوروا طقجى وكرجى في ذلك.

فقال كرجى: نحن ما عندنا أحد ينزل إلى ملتقى أحد، وكل واحد منهم يدخل إلى بيته، ثم إذا أصبح يطلع إلى قلعة السلطان ويلبس خلعته، ثم يروح إلى بيته وبعد ذلك ندبر ما نفعله، فقامت الأمراء على ذلك وتفرقوا.

ثم اجتمع الأمير سيف الدين كرد الحاجب بالأمير حسام الدين الأستاذدار، وقال: هذا الذي اتفقت الأمراء عليه لا ينفع، ولما يتم أمر ما دام طقجى وكرجى في القلعة، والرأي أن تعلم الأمراء أنهم إذا طلعوا خدمة القصر يوسعون الحيلة في الحكم عليهما بالنزول والملاقاة بالأمراء القادمين، فأرسلا لكل أمير مملوكا وأعلما بذلك.

فلما اجتمعوا في القلعة لخدمة القصر شرع الأمير جمال الدين قتال السبع وحسام الدين الأستاذدار وطغريل البوغاى وتحدثوا مع طقجى وكرجى وقالوا: هذا الأمير بدر الدين أمير سلاح رجل كبير، وأتابك عسكر مصر، وقديم الهجرة، وكان في الغزاة مع العدو، وقد أثر فيهم آثارا حسنة، وفتح إحدى عشرة قلعة، وله مدة سنة ونصف غائبا هو ومن معه، فيدخلون مصر ولا يجدون أحدا لاقاهم ولا التفت إليهم ولو كان السلطان في الحياة خرج بنفسه فالتقاه فأكرمه، ووافقهم سائر الأمراء في هذا الحديث، ولم يبق أحد حتى قال: والله هذا هو المصلحة، وكرجى لا يلتفت إلى سماع ما يقولون، ثم قال: لا ينزل أحد منا إليهم، فإن أردتم أنتم انزلوا ولاقوهم فإنهم خشداشيتكم، وطال شرح الكلام بينهم إلى أن استحى الأمير طقجى وقال لكرجى: قول الأمراء على هذا الوجه هو الصواب، وأنا أركب صحبة الأمراء ومماليك السلطان معي، وتركب بقية العسكر وحدهم، ويلاقون هذا الرجل ومن معه، وتكون أنت مقيما بالقلعة مع بعض مماليك السلطان إلى أن نلتقي ونرجع، فإن اختار طلوع القلعة طلعنا معه، وإن اختار غير ذلك عرفنا قصده وانتظم الأمر على الدول على هذا الوجه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015