مات في هذه السنة بمدينة أرزنكان، وكان توجه إلى خدمة منكوقان ابن طلوخان بن جنكزخان من قونية قاصدا الأرد، وسار في خدمته الأمير سيف الدين طرنطاى، صاحب أماسية، وكان من أكابر أمراء الدولة، وحده، وكان يلقب بكلارباكى، يعنى أمير الأمراء، وشجاع الدين، ومحسن ملك السواحل، واستصحب معه الهدايا النفيسة، والجواهر الثمينة، والتحف الغريبة، والأقمشة شيئاً كثيراً.
فلما توجَّه وأقام أخواه بقونية وهما: عز الدين كياوُس، وركن الدين قليج أرسلان، لم يلبثا إلا قليلاً حتى دبتْ بينهما عقاربُ السُعاة، وأفضى الحال بينهما إلى المعاداة، واختلفت الآراء، وشعبت الأهواء، وتقسمت خواطر الأمراء.
وكان الصاحب يومئذ شمس الدين الطُغرائى، وكان يميل مع ركن الدين، وآل أمر الأخوين إلى أن اقتتلا، فانكسر ركن الدين قليج أرسلان، وانتصر عليه أخوه عز الدين كيكاوُس، وأخذه أسيراً، واعقتله عنده، واستقر بقونية، وحكم في المملكة، هذا وبيجُو ومن معه يجوسون خلال الديار.
ولما حصل ركن الدين في الأَسرضاق بإلزامه الأمراء وهم: شمس الدين الطُغرائى، والأمير سيف الدين جاليش، وبهاء الدين أزْدكردى، ونور الدين الخزندار، ورشيد الدين صاحب ملطيَّة وهو أمير عارض، وفكرًّوا فيما يفعلون، فاتفقوا على أن يزوروا كُتُباً عن السلطان عز الدين إلى سيف الدين طُرُنْطاى ورفيقيه بأن يُسلّما إليهما السلطان علاء الدين وما معهما من الهدايا والخزانة، وليتوجَّه الصاحب بذكل إلى منكوقان وتعودا أنتما من الطريق.
وساروا بهذه الكتب الموضوعة في إثر السلطان علاء الدين، فلحقوه وقدوصل هو ومَنْ معه إلى أردْوُ بايْطو، فدخلوا على بايطُو وقالوا له: إن السلطان عز الدين كان قد أرسل أخاه ليتوجَّه إلى القان، وأرسل معه هذين الذين هما طرنطاى ورفيقه، ثم اتضح له أنهما قد أضمرا السوءَ، وأن طرنطاى ضربته الصاعقةُ فيما مضى من الزمان فلا يصلح أن يدخل بين يدى القان، وأنَّ رفيقه شجاع الدين رئيسٌ طبيب ساحر، وقد أخذ صحبته شيئاً من السُمِّ القاتل يغتال به منكوقان، فأرسلنا نحن عوضاً منهما وأمرَّ بردّهِما.
فلما سمع بايْطُو مقال الصاحب ورفقته ظنه حقاً، فأمر بإحضار طرنطاى ورفيقه، وأن يفتش ما صحبتهما من القماش والزاد وغيره، ليظهر السُمّ الذى معه، فكبست خيمة شجاع الدين الرئيس وحمل ما وجد، فكان من جملته برانى شراب وعقاقير الأدوية وشىء من المحمودة، فألزموه بالأكل من جميعها، فأكل حتى انتهوا إلى المحمودة أمروه أن يأكل منها فأبى، وقال: إن أكلت من هذه متُّ، فقالوا: هو السُمُّ الذى قيل فيه إنه معكما، وسألوا الأمير سيف الدين طرنطاى: ما هذا السُمُّ؟ ولما حملتماه؟ ومن الذى تقصدان أن تغتالا به وتقتلاه؟ فأجاب: بأنه لا علم له بأمره، وإنما يُسْأَل عنه من وجد معه، فرسم بايْطُو بأن يقرر شجاع الدين بالضرب ليلطلعُهم على الأمر، فقال لهم: اطلبوا الأطباء إلى ها هنا، وأَرُوهُم هذاالنوع واسألوهم عنه، فإن ذكروا أنه سُمٌ قاتل، فأنا خائن خاتل، وإن قالوا: إنه دواءٌ يتخذه الناس ويستعملونه لعلاج الأمراض، فهؤلاء القوم ذو أغراض.
فأحضروا الأطباء وسألوهم عن المحمودة، فأجابوا بأنها دواءٌ يشرب للمنفعة، وتوجد عند كثير من الباعة وغيرهم، فتبين لهم أن الصاحب قد تقول عليه، ثم سألوا طرنطاى ما هى الصاعقة التي ضربته وفى أيّ وقت اصابته؟ فقال: الصاعقة لا حقيقة لها، والحالُ فيها كالحال في السُمّ، وإنما هؤلاء زوروا الكتب التى على أيديهم، وكتبوا ما أرادوا لأنفسهم، وأنا بينى وبين السلطان أمارة جعلها معى عند وداعه فأقول سراً، فإن قالها الصاحب ومَن معه فهم صادقون، وإن لم يعرفوها فهم ماذقون، وأسرَّ إليه الأمارَةَ، فسال الصاحب ورفقته عنها فلم يعرفوها، فقال بايْطُو لطرنطاي: أنتم جميعاً متوجهون إلى القان، وهو يفعل ما يراه.
وهؤلاءِ حضروا من مسافة بعيدة فاختارو إما أن يتسلَّموا السلطان وتبقى الخزائن معكم، أو تسلّموا إليهم الخزائن ويبقى السلطان معكم، فأجمع رأى الأمير سيف الدين طرنطان على أن تكون الخزائن معه ومع رفيقه، وأن يتسلَّم السطلان علاء الدين الصاحبُ شمس الدين الطغرائىُّ ورفيقه، فتسلَّماه.
وسار طرنطاى ورفيقه قبلهما، وسار الصاحبُ والسلطان معه بعده، فمرض السطلان علاء الدين في اثناء الطريق ومات.