الثالث، في مقتله: قال ابن كثير: قتلته زوجته شجر الدرّ أم خليل التي كانت حظية أستاذة الملك الصالح، وكان سبب ذلك أنه كان قد تغيّر على شجر الدر بعد قتل الفارس أقطاى، وبلغها أن ارسل يخطب بنت بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل ليتزوجها، وأنه اتفق أنه قبض على جماعة من البحرية وهو على أُم البارد وأرسلهم إلى القلعة ليعتقلوا بها، وكان منهم شخص يسمى ايدكين الصالحى، فلما وصلوا تحت الشباك الذى تجلس فيه شجر الدر، قال بضع الطواشية: يا طواشى، خوند جالسةٌ في الشباك. قال: نعم، فخدم أيدكين المذكور برأسه ورفعها إلى الشباك، وقال لها بالتركى: المملوك أيدكين البشمقدار: والله يا خوند ما عملنا ذنباً يوجب مسكناً إلا أنه لما سيَّر يخطب بنت بدر الدين لؤلؤ ليتزوجها ما هان علينا لأجلك، فإنا نحن تربية نعمتك ونعمة الشهيد المرحوم فعاتبناه على ذلك، ما ترين؟ قال، قال: وأومأت بمنديل من الشباك، يعنى قد سمعت كلامك، فلما نزلوا بهم إلى الجب قال أيدكين: إن كان حبسنا فقد قتلناه.
فلما رجع المعز أيبك من لعب الأكرة ودخل الحمام، رتبت شجر الدر له في الحمام سنجر الجوجرى مملوك الطواشى محسن والخدام الذين كانت اتفقت معهم فقتلوه في الحمام، وأرسلت في تلك الساعة أصبع المعز أيبك وخاتمه إلى الأمير عز الدين الحلبى الكبيرة، وطلبت منه أن يقوم بالأمر، فم يجسر على ذلك، وكان قتله يوم الثلاثاء الثالث والعشرين من ربيع الأول من هذه السنة.
وفى تاريخ بيبرس: ولما بلغ شجر الدُرّ أن المعز أرسل يخطب لنفسه بنتى صاحب حماة وصاحب الموصل أخذتها الحرّة وملكتها الغيرة لما قصد من الاستبدال عنها والاعتزال منها. فحملها ذلك على قتله، ولما كان يوم الثلاثاء الرابع والعشرين من ربيع الأول، ركب إلى الميدان كعادته وعاد إلى القلعة من عشيته، فلما دخل الحمام أحاط به جماعةٌ من الخُدَّام، وأذاقوه كأس الحمام، وأشاعوا بكرة يوم الأربعاء أنه قد مات فُجاءة في جوف الليل، ودعوا بالثبور والويل، وأعولت النساءُ في الدور، وأردن التلبيس بهذه الأمور فلم تتم الحيلة على مماليكه لأنهم فارقوه بالعشى سليماً، وألفوه في الصابح عديماً، فعلموا أنه قد قتل غيلة.
ولما ظهر الخبر بقتل المعز أراد مماليك المعزّ قتل شجر الدر، فجاءها المماليك الصالحية واتفقت الكلمة على إقامة نور الدين على بن المعزّ أيبك سلطاناً، ولقبوه الملك المنصور، وعمره يومئذ خمسة عشر سنة، ونقلت شجر الدر من دار السلطنة إلى البُرج الأحمر، وصلبوا الخدام الذين اتفقوا معها على قتل المعز، وهرب سنجر الجوجرى، ثم ظفروا به وصلبوه، واحتيط على الصاحب بهاء الدين بن حنا لكونه وزير شجر الدر، وأخذ خطه بستين ألف دينار.
وفى يوم الجمعة عاشر ربيع الآخر منها: اتفقت مماليك المعز أيبك مثل: سيف الدين قطز وسنجر الغتمى، وبهادر، وقبضوا على علم الدين سنجر الحلبى، وكان قد صار أتابك العساكر للملك المنصور نور الدين علىّ، ورتبُوا في أتابكيتَّه أقطاى المُستْعرِب الصالحىّ.
وفي تاريخ بيبرس: استقر نور الدين على في السلطنة بعد موت أبيه، وكان جلوسه في السادس والعشرين من ربيع الأول سنة خمس وخمسين وستمائة، وعمره يومئذ حول عشر سنين، وكان يميل إلى اللهو واللعب لِصباه، وقام الأمير سيف الدين قطز المُعِزى بأتابكيته وتدبير دولته، وكان ذا بأس وشهامةَ، وحزم وصرامة، فأمسك الصاحب شرف الدين الفائزى وعزله عن الوزارة، واحتيط على أمواله، وأسبابه، وذخائره. وكان مثرياً من المال، وله ودائع كثيرة متفرقة، فتتبعت واستخرجت من أربابها وحملت، واعتقل ثم قتل.
وسبب قتله أن والدة الملك المنصور هذا كانت مجفوة من زوجها الملك المعز، وكان قد اتخذ سرارى وصيَّرهن عند الوزير، فنقمت عليه، وسال أن يبذل عن نفسه مالاً فلم ترض إلا بقتله، واستوزر بعده الصاحب زين الدين يعقوب بن الزبير.