فاتفق الصاحب وجاليش أن يسيرا إلى طرنطاى ورفيقه يعرفانهما أن السلطان ضعيف، فإذا حضرا ليُبْصِرَاه يقتلونهما، وبلغ سيف الدين طرنطاى موت السلطان، فأرسل فراشاً ليكشف له أمره وأوصاه بأن يفتش آثارهم بالمنزلة التى رحلوا منها، فمهما أصاب من ورقة ممزقةٍ أو غيرها يحضرها إليه ليستدل منها على شىء من أحوالهم.

فوجد الفراش رقعة ممزقةٌ كان جاليش قد كتبها إلى الصاحب بما اتفقا عليه عند موت السلطان، فأحضرها الفراش إلى سيف الدين طرنطاى، فاحتفظ بها، وعلم منها ما كانا عزما عليه من المكيدة وسار هو ورفيقه حتى إذا صارا من الأرْدُو على مسافة ثلاثة أيام نزلاً في إنتظار الصاحب ومَن معه معتقدين أنهم جاءُون وراءَهم، وكانوا قد توجَّهوا من طريق أخرى إلى منكوقان، فلما وصلوا إليه وأعلموه بأنَّ لهم رفقة لم يصلوا بعدُ أنكر منكوقان عليهم، وأمرَ بأن يربطوا ويقاموا في الشمس إلى حين وصول رفقتهم، فأرسل الصاحب يخبر طرنطاى بأمره، ويسأله سرعة القدوم ليفكَّ من أسره، فقدم طرنطاى.

وجلس لهم منكوقان مجلسا عاماً، وأحضرهم بين يديه، ووقف التراجَمةُ يعبرون لهم وعنهم، فأمر بأن يجلسوا في مراتبهم كما يجلسون في بلادهم، فتنافسوا في الجلوس، وقصد كلٌ من التقدم على الآخر، ثم سألهم عن وظائفهم، فصار كل يدعى أنه الأكبر فلما انتهى إلى طرنطاى ذكر أن وظيفته الأتابكيَّة وتقدمة الجيش، فأمر أن يجلس فوق جميعهم، فأبى، وضرب جوك الخدمة وقال: أنا بمرسوم القان أجسُ في المنزلة التى كنت أجلسُ فيها في بلادنا، فأعجب منكوقان قوله وقال: هذا قد تبين لنا صدقه وعقله، وسأله عن أمر السلطان علاء الدين وكيف كان موته؟ فقال: منذ سلمه المملوك إلى الصاحب ورفقته، وتقدمناهم في المسير لم نعرف له خبراً، فالقانُ يسأل من كان معه عن أمره، فعطف إلى الصاحب وسأله عنه، فقال له إن طرنطاى قتله وزوجة السلطان تشهد بذلك، ولم يكن مع السلطان زوجة، وإنما كان سيف الدين طرنطاى قد اشترى للسلطان جارية تخدمه في الطريق وعهدَتها معه، وكان الصاحبُ قد أوصاها أن تقول: إنها زوجته وتوافقه على ما رتبه، فاستدعاها القانُ وسألها كيف كان موت السلطان؟ فاستصرخت واستغاثت، وادعت أن طرنطاى ورفيقه هما اللذان قتلاه، فأحضر طرنطاى عهدة الجارية، وعرف القان كذبها في زعمها أنها زوجة السلطان، وأحضر الورقة الممزقة التي أحضرها إليه الفراش، وهي من جهة جاليش إلى الصاحب بما تآمرا عليه، فتحقق منكوقان غرض الصاحب ونقله الكاذب، فأخره ودحره، وقدَّم طرنطاى وأكرمه، وقبل التقدمة، وسمع الرسالة، وكان مضمونها إن السلطان عز الدين كيكاوس كبير الأخوة وأولاهم بالمملكة، وسأَل أن يُسيِّر إليه القان يرليغ بتقليده، ويمنع التتار من الغارات على بلاده والتعرض إلى رعيته، فأجاب منكنوقان إلى ذلك وأعطاه بايزة ذهب سار سقر منقوشاً فيها التقليدُ والتفويض إلى السلطان عز الدين، وخلع على طرنطاى ورفقته، وأنعم عليهم بالشاشات الذهب، وعلى حاشيتهم بالشاشات الفضة.

ومن الغد ورد عليه من جهة أخيه قبلاى وكان قد جرده إلى بلاد الخطا خبرٌ أزعجهُ وكلام أحفظه، فعزم على المسير إليهم، وتجهز للغارة عليهم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015