ذكر بيبرس في تاريخه: أن السبب فيه أن لاجين فوض إلى مملوكه منكوتمر جميع الأمور، فاستبد بوظائف الملك ومهماته، وصار وقفا على إشاراته وانتهى حاله معه إلى أنه صار إذا رسم مرسوما أو كتب لأحد توقيعا وليس هو بإشارة منكوتمر يمزقه في الملأ ويرده ويمنع أستاذه منه ويصده، فاستثقل الناس وطأته، وكرهوا دولته، ورغبوا إلى الله في زوالها وتغير أحوالها، ونسبوا الذنب فيما يبدو من منكوتمر إليه لكونه جمع أمره كله عليه، وأنشد لسان حالهم:

فإن لا تكن أنت المسئ بعينه ... فإنك ندمان المسئ وصاحبه

وكان في مماليك السلطان شخص يسمى سيف الدين كرجى ممن أعان المنصور ووازره في تلك الأمور، فقدمه على المماليك السلطانية، فكان يتحدث في أشغالهم، وينظر في أحوالهم، ويدخل إلى السلطان متى أراد لا يحجبه عنه حاجب ولا راد، فغار منكوتمر من قربه وسعى في بعده، فلما ورد البريد مخبرا بأمر القلاع التي فتحها العسكر ببلاد الأرمن حسن لأستاذه أن يرسله إليها ليقيم فيها، فوافقه على إرساله، واتصل ذلك بكرجى، فدخل إلى السلطان وتضرر من الرواح إلى الجهات المعينة، وسأل الإعفاء منها وتعيين غيره لها، فأجابه وأعفاه، فكمن في نفسه من عداوته ما كمن.

واتفق بعد ذلك أن منكوتمر فاوض شخصا من الخاصكية نسيبا لطقجى، فسبه وأغلظ عليه، فتوجه ذلك إلى طقجى وشكى الحال إليه، وكان يسمى طغاى، فاجتمع هؤلاء وتشاكوا سوء سيرة منكوتمر وعمله على إبعاد الأمراء وإتلافهم، وقالوا: هذا متى طالت مدته قويت شوكته وعمل علينا واحدا بعد واحد، وأستاذه مرتبط به ومتمسك بسببه، ومتى لم نبدأ بإعدامه ما ننال من مملوكه قصدا، والصواب أنا نبدأ بأستاذه قبله، وأبرموا أمرهم فيما بينهم.

فلما كان ليلة الجمعة الحادية عشر من ربيع الآخر هجموا عليه وهو جالس يلعب بالشطرنج مع أحد جلسائه، فأرووا السيوف من دمائه، وقطعوه قطعا، وتركوه ملفعا، وخرجوا إلى دار النيابة في طلب منكوتمر، فلما أتوا إلى بابه استدعوه للنزول، فأحس بالأمر المهول، وعلم أنه مقتول، وكان طقجى ساكنا بدار الملك السعيد، فنزل منكوتمر إليه، وألقى نفسه بين يديه، واستجار به من القتل فأجاره، وقال لكرجى ومن معه: اذهبوا به إلى الجب ودلوه، فلما صار في قعر الجب عرفه الأمراء المعتقلون، فظنوا أن أستاذه نقم عليه واعتقله، وسألوه عن أمره، فأخبرهم بقتله، فثاروا إليه وشتموه وضربوه وأهانوه لما في نفوسهم منه. وقيل: إنهم وجدوا عليه رائحة النبيذ.

وقال صاحب نزهة الناظر: كان السبب لذلك أن طقجى حضر من الحجاز مستهل صفر، فوجد أن أمره قد احتكم بسفره من مصر إلى نيابة طرابلس، وأن منكوتمر قصد فرقته من خشداشيته حتى لا يكونوا مجتمعين، ولما استقر أياما طلبه السلطان وعرفه أنه عينه للنيابة لما يعلم من محبته ونصيحته وأنه متوثق به. فقال طقجى: والله يا خوند إني مدة عمري ما حكمت بين اثنين، ولا أعرف أحكم، وخرج من عنده على غير انفصال، واجتمع بكرجى وسلار وبيبرس الجاشنكير وأخبرهم بما وقع بينه وبين السلطان، وكان عندهم الخبر، فاجتمع رأيهم على أن يتحدثوا مع السلطان في قعوده، فاجتمعوا به، وترققوا له في السؤال، وقالوا: أحدث أحد ولى من السلطنة نائبا وليس له دربة بالنيابة، ولا يعرف الأحكام، فاستحى السلطان منهم، وأعفاه، وعلم بذلك منكوتمر، وتحدث مع السلطان، ولامه على موافقة هؤلاء، وخرج من عنده وهو حرج، فلقى كرجى في الطريق، فقطب في وجهه، وجفا عليه، وقال: كل واحد منكم بقى يعمل رأيه في السلطنة في السر، وحط على الأمراء الذين تكلموا معه وقت سؤالهم السلطان بإعفاء طقجى.

ثم إن منكوتمر لما علم أن السلطان قبل الشفاعة في أمر طقجى امتنع من الحضور إلى الخدمة، وجعل يحتج بأنه ضعفت رجله عن الحركة، فعلم السلطان ذلك، فطلب قاضي القضاة حسام الدين الحنفي، واختلى به، وقال له: يا قاضي أنا قد تحيرت مع منكوتمر، إن طاوعته على جميع أغراضه، واتبعت ما يشير إليه لا آمن على نفسي وعليه، وإن أنا خالفته فما يهون على، وهو على كل حال شاب ما جرب الأمر بعد ... ... - وما أدري ماذا أفعل؟ .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015