ورسم بالحوطة على جميع ما للقاضي بهاء الدين من الأموال والأملاك والبساتين بمصر والشام، وكذلك غلاله وسواقيه وجميع دواليبه، وتولى بجميع ذلك أقوش الرومي، وأوصى منكوتمر لأقوش بعقوبة القاضي بهاء الدين لما كان في نفسه منه، وكان المذكور بالغ في عقوبته حتى أنه كان يحمى الخوذة الحديد على جمرات النار، ثم يلبسها رأسه فيجد من ذلك ألما عظيما، وعذبه بأنواع العذاب إلى أن أخذ منه جميع أمواله، فكان جملة ما أخذ منه من موجوده بمصر والشام نحو مائة ألف وثلاثين ألف دينار، وقصد منكوتمر إتلافه بالكلية.
ووقفت الأمراء وسألوا السلطان أن يصفح عنه، فقبل شفاعتهم وأمر بالإفراج عنه، وعن بقية المصادرين الذين مسكوا معه، وقرر أقوش الرومي على بهاء الدين مائة ألف درهم بشرط أن يضمن عنه جماعة من التجار، فأحضر جماعة من قيسارية جهاركس وجماعة من الجند والمقدمين، فضمنوه وأفرج عنه، ولم يمكث يومين حتى بعث إليه يطالبه بالمبلغ المذكور فخشى على نفسه من الرجوع إلى العقوبة فأخفى نفسه، فلما أخبر أقوش بذلك طلب الضمان وفرق عليهم المبلغ وأخذه منهم.
وفيها: قصد منكوتمر بقطع كثير من المباشرين وأرباب الرواتب، وعرف السلطان أن الكتاب يأخذون هذه الرواتب والجرايات بأسماء أقاربهم وعبيدهم ويكتبونه بأسماء ناس صعاليك وهم يأخذون لأنفسهم، وأن ذلك يتحصل منه شيء كثير، فطلب الوزير فخر الدين بن الخليلي وأمره أن يكتب أسماء أرباب الرواتب وأرباب الرزق، فحصل للناس بذلك قلق عظيم.
وفكر الوزير في ذلك، فأحضر إلى السلطان رسالة القاضي الفاضل في دولة السلطان الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب رحمه الله، فقرأها عليه، فأعجب السلطان ذلك إلى أن دمعت عيناه، ثم قال: قل لمنكوتمر لا يتحدث في هذا بالجملة الكافية.
وكان مضمون الرسالة النصيحة للسلطان صلاح الدين حين أراد أن يفعل مثل ما أراد منكوتمر أن يفعله، فبلغ هذا إلى منكوتمر، فلما دخل عليه الوزير قال له: ما أنت يا قاضي إلا نصحت السلطان نصحا كثيرا. فقال له الوزير: يا خوند النصح واجب على كل مسلم. فقال: اترك عنك الفشار وجهز لي الأوراق، وبعد يومين اتفق قتل منكوتمر على ما نذكره إن شاء الله.
وفيها: قلت المياه جدا بدمشق، وغلا سعر الثلج بالبلد جدا إلى أن أبيع الرطل منه بدرهم وثلث، وجفت الأعين من سائر البلاد، واستسقى الناس بدمشق وبيت المقدس والخليل، ورأى المسافرون أيضا شده في سائر الطرقات، وأمانيل مصر فإنه كان في هذه السنة في غاية الزيادة والكثرة.
وفي نزهة الناظر: وكان النيل في هذه السنة في الثامن عشر من ذي العقدة بلغ إلى ثمانية عشر ذراعا وست أصابع.
وفيها: حج بالناس من مصر الإمام الحاكم بأمر الله ومعه أولاده، وأعطاه السلطان سبعمائة ألف درهم.
وفي النزهة. وكان أمير الركب في هذه السنة الأمير طقجى، وحج في هذه السنة خلق كثير.
الشيخ الصالح الاهد حسن بن الشيخ الكبير علي الحريري.
توفى في ربيع الآخر منها بزاويته بقرية بسر، ومولده سنة إحدى وعشرين وستمائة.
الصدر إبراهيم بن أحمد بن عقبة بن هبة الله بن عطا البصراوي الحنفي.
درس وأفاد، وولى قضاء حلب في وقت، ثم سافر قبل وفاته إلى مصر، فجاء بتوقيع فيه قضاء حلب، فلما اجتاز بدمشق توفى بها في رمضان منها، وله سبع وثمانون سنة.
أحمد بن عبد الرحمن بن عبد المنعم بن نعمة المقدسي الحنبلي، الشيخ شهاب الدين عابر الرؤيا.
سمع الحديث، وروى الكثير، وكان عجبا في تفسير المنامات، وله فيه اليد الطولى، وله تصانيف فيه، ليس كالذي يؤثر عنه من الغرائب والعجائب، ولد سنة ثمان وعشرين وستمائة، وتوفى في آخر ذي القعدة منها، ودفن بباب الصغير وكانت جنازته حافلة، مشى فيها نائب السلطان والقضاة، وكان يقول للشخص جميع ما جرى له من أول العمر إلى حين جاءه، ويقول ما في بيته يخبى، وإذا قص عليه المنام لا يفسره له حتى يستتيبه ويحلفه على ملازمة الصلوات، وكان كثير الصوم والصلاة والأوراد، ولا يفطر إلى بعد العشاء الآخرة، ويصلي من المغرب إلى العشاء الآخرة ولا يكلم أحدا من الناس.
هبة الله بن عبد الله بن سيد الكل، القاضي أبو القاسم بهاء الدين القفطى بفتح القاف - نسبة إلى قفط بلدة بصعيد مصر.