فقال أخي: يا أمير حسام الدين أما تتصدق علينا بأن تنادى هذا الرجل لعله جاء من بلادنا ومعه خبر من أهلنا، فقال نعم، وأشار إليه فحضر، فقال له أخي مهنى: من أين يا وجه العرب، فانتسب إلى قبيلة من العرب، فعرفه مهنى، ثم سأله عن أهله فأخبره عن أهلنا ومنازلنا، فقال له نقصدك أن تذهب إلى أهلنا وتخبرهم بأنا نحن طيبون، ونحن في قيد الحياة، لذلك علينا الملاقاة إذا أفرج الله عنا، فقال: نعم، إنها الأمير ... ... لاجين، فقال: يا أمير حسام الدين ترى أن تفعل معنا خيرا، والله تعالى يكافئكم، فقال: قل ما تريد، فقال: أن تأذن لنا بأن نكتب سطرين أو ثلاثة إلى أهلنا ليعلموا أنا نحن طيبون في خير، وأنا تحت حفظك وظلك، فتبسم وقال لدواداره: أعط الأمير الدواة والورق فإذا كتب كتابا توقفني عليه، فأعطاه، فكتب إلى أخيه هبة، وعرف أخيه أنه طيب في خير وعافية، وأمره أن يرحل بأهله إلى نحو الشرق إلى مكان سماه له، وأن يشن الغارة في المنازل القريبة منه، ولكن ذكر ذلك كله باللغز، فسمى تلك بأسماء أولاده، وبعض نسائه بحيث لا يفهم أحد ذلك إلا أخوه الذي كتب إليه، فلما وصل إليه الكتاب رحل هو بأهله من برية دمشق، ثم شرع في التشويش على المنازل، ونالوا بذلك مقاصدهم، ولما اتفق مجيء مهنى إلى السلطان أحسن إليه السلطان، فخلع عليه طرد وحش، وهو أول من لبس طرد وحش من آل مهنى، وكانت خلعته قبل ذلك كنجى أو مسمط، وطلب دستورا للحجاز من الشام، فأذن له بذلك وأنعم عليه.

وفيها صودر القاضي بهاء الدين بن الحلى ناظر الجيوش، وكان له خدمة على السلطان في أيام نيابته، فلما تسلطن صارت له عنده مكانة كبيرة، واتفق أنه استشاره في بعض الأيام في أمر منكوتمر، وقال له: يا قاضي بهاء الدين، قد كثرت الشكوى في هذا النائب، وفي حاشية وكتابه، وإنما أريد أن أقيم مملوكي منكوتمر، وأكون مطمئنا من جهته. وتكون أنت تدبره وتعرفه الطرق التي يسلكها القواد. فقال له: والله يا خوند، نصحك واجب على كل أحد، وخصوصا على المملوك، ولا يخفى على السلطان أن دولة الملك السعيد ما أخربها إلا مملوكه كوندك، ودولة الأشرف ما أخربها إلا بيدرا، ودولة الملك السعيد ما خربت إلا بسبب مماليكه، ومملوكك منكوتمر شاب كبير النفس، حاد الخلق، لا يرجع لأحد، وربما يجري بسببه فساد كثير، وما هذا بأمره، وإنما أمر السلطان، فسكت السلطان، ولم يجبه بشيء.

وبلغ ذلك منكوتمر في وقته، فكتمه في نفسه، وحط عليه مكائد السوء.

قال الراوي: وبلغني أن بهاء الدين لما خرج من عند السلطان اجتمع بالأمير علم الدين الدواداري، وأخبره بما جرى بينه وبين السلطان، فقال له علم الدين: أخطأت يا قاضي في هذا الرأي، وسكت عنه.

وبقى هذا الأمر إلى أن مسك قراسنقر النائب، وتولى منكوتمر النيابة، ودخلت عليه الناس تهنئه، وكان فيهم القاضي بهاء الدين فلما قبل يده وجلس، قال له: يا قاضي هذا كله ببركتك، وبركة وعظكم للسلطان، فأطرق رأسه إلى الأرض، وعلم أنه لا بد من شيء مترتب عليه من جهته مما لا طاقة له به. ثم شرع منكوتمر يعرف السلطان بما للقاضي بهاء الدين من السعادة والأموال والعقارات والبساتين بمصر والشام، فلم يزل يوحى إليه إلى أن اتفق معه على مسكه ومصادرته.

قال الراوي: وكان للقاضي من السعادة والعظمة والأحكام النافذة على جانب كبير، وكانت له مسقفة. . . كبيرة اتخذها لنفسه، وله ميل إلى الشباب من أهل المحاسن، وكان له تعلق ببعض المماليك الخاصكية، وكان لذلك المملوك عادة، يأتي إليه في بستان بالقرب من الميدان حين يخرج من الخدمة، واتفق حضوره عنده على عادته، وكان منكوتمر قد بلغه ذلك عنه فأمر باسترصاده، ولما أخبروه بذلك أمر الطواشى المقدم أن يركب ويأخذ معه عدد من النقباء، ويأتي البستان، ويكبس عليه، فركب الطواشى بمن معه وهجموا عليه في البستان، وأخرجوا المملوك منه، ولم يتعرضوا لغيره، فلما أصبح وطلع إلى الخدمة مسك وسلم إلى جمال الدين أقوش الرومي الحسامي، ومسك معه أيضا جمال الدين بن عزيز مقدم الركبدارية، ومجد الدين ناظر الأعمال الغربية وجماعة آخرون من الكتاب.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015