والسبب فيه أن منكوتمر كان يعلم عن السلطان الكتب والتوقيعات في الأيام التي وقع السلطان من الفرس في الميدان حين كان يلعب بالآكرة، وكان يخاف على السلطان من عارض، وكان يعلم أن ما في الدولة أكبر من بيسرى، ومع هذا كان البيسرى يكره منكوتمر في الباطن، وكان منكوتمر يخاف أنه إذا جرى أمر يكون البيسرى هو المقدم، وأنه إذا تقدم أوقع به، فشرع في التدبير على مسكه، وكان السلطان قد رسم فيما مضى أن يكون البيسرى كاشفا بالجيزة وأن يحضر الخدمة أيام الاثنين والخميس، وكان يجلس رأس الميمنة ويجلس فوقه حسام الدين بلال المغيثي الطواشى، لأجل كبره وتقدمه، وكان الملوك والأمراء يعظمونه، واتفق أن البيسرى حضر على عادته وقامت الأمراء، فلما رآه الطواشى قام إليه وشرع يبكي ويمسح عينه بالمنديل قدام الأمراء، فخشوا من بكائه وقالوا: يا سيدنا ما سبب بكائك؟ فقال: كلما رأيت هذا الأمير أفتكر أستاذي وأشم فيه روائح الملوك، فبلغ ذلك في وقته منكوتمر، فأثر عنده تأثيرا عظيما، وعرف السلطان بذلك، وبالغ في الكلام فيه، وما نهض من عنده إلا بعد الاتفاق على مسك البيسرى، ولكن استمهل السلطان في ذلك أياما، وبقى مفكرا في أمره، وكيف يدبر على مسكه وذلك لما كان يعلم من كبره وعظمته في النفوس وتقدمه في الدول، ولما كان يعلم من كثرة حاشيته.

واتفق في تلك المدة أن حضر مملوك نائب حلب وأخبر أن العساكر المنصورة دخلت إلى بلاد سيس وأغاروا عليها، ولكن لم يتعرضوا لحصر القلاع، فإن السبب فيه أن صاحب سيس استنجد بصاحب قبرس وبأصحاب جزائر بحر الروم وبالإفرنج، ونفق أموالا عظيمة في العسكر، واستقل بعسكر السلطان، فلما سمع السلطان ذلك وجد فرصة في أمر البيسرى، فطلب منكوتمر واتفق رأيهما على تجريد عسكر أخرى، فعين الأمير بكتمر السلحدار والأمير طقطاى ومبارز الدين اوليا بن قرمان وأضاف إليهم جماعة من العسكر ورسم لهم بالسفر، ولما سافروا وجد أكابر الأمراء قد تفرقت ولم يبق من يخشى من جهته، وجلس منكوتمر وخشداشيته وأخذوا يتحدثون في ترتيب أمراء بدمشق من جهتهم وفي مسك أمراء آخرين لتكون الدولة كلها إنشاءهم في الديار المصرية والشامية.

ثم بعد أيام لما طلع البيسرى الخدمة على العادة أخذ السلطان يسأله عن حاله وما هو فيه فقال يا خوند: أنا منشرح بما تصدق علي مولانا السلطان من قرب المكان، يعني كشف الجيزة، وهو مكان نزه وفيه الصيد وطيب الوقت، فتبسم السلطان ثم قال له: يا أمير ما تعزم على يوما عندك حتى تنشرح وتنبسط، فقام وقبل بالأرض وقال: قم يا خوند، وتواعد معه أن تكون ضيافته يوم الثلاثاء.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015