قال صاحب النزهة: ذكر لي من أثق به من الروميين أن جد هذا الرجل هو الذي فتح بلاد الروم في سنة إحدى وأربعين وستمائة، وملكها بعد قتل عالم كثير، وعند نزوله حضر إليه أبو بروانا وعرفه بنفسه وعرفه أيضا أن هذه أقليم عظيم، وأنه لا ينظر إلى من قتل منه، والتزم أن يحمل له كل سنة خراجا ويكون هو ومن معه رعيته، فوافقه على ذلك وقرر عليه في كل سنة ثلاثمائة وستين ألفا من الدراهم، وألف رأس غنم، وألف رأس بقر، وألف رأس جمل. وقال له بعض أمرائه: يا خوند هذا يأخذ هذا المقدار من ضيعة واحدة من هذه الإقليم. فقال له: إذا استمر هذا يجيء غيره، وبقى هذا إلى سنة أربع وخمسين وستمائة، فخرج هلاون ومات بيجو وأخذ ولده أفاك مكانه، وحضر إليه بروانا، وكان أيضا والده توفى فأكرمه وخلع عليه وقرر عليه ما كان يحمل والده لوالده، واستقر إلى أن توفى أفاك وملك سلامش ابنه البلاد وأقام فيها، وملك جبال قرمان وضياعا كثيرة، ثم عصى على ملوك المغول، فلما ملك قازان سير إليه جوبان وقطلوجا، فضربوا معه مصافا، فخامرت عليه أمراؤه فانكسر، وكان سبب عبوره إلى مصر.
ثم قال صاحب النزهة: والأصح أن سلامش أرسل كتبه في دولة لاجين، يستأذن على الدخول إلى البلاد الإسلامية، فلما وصل إلى حلب قتل لاجين، ودخل إلى مصر في الدولة الناصرية وأكرمه بيبرس وسلار.
وفيها: ابتدأ الخلف بين طقطا بن منكوتمر ملك بيت بركة بالبلاد الشمالية وبين نوغيه بن ططر بن مغل بن دوشى خان بن جنكزخان، وذلك لأسباب: منها: أن بيلق خاتون زوجة نوغيه استنفرت من ولديه وهما جكا وتكا وأظهرا لها الكره والامتهان، فأغرت طقطا بهما وأرسلت تحرضه عليهما.
ومنها: أن بعض أمراء طقطا أوجسوا خيفة من أمر بلغهم عنه ففارقوه وانحازوا إلى نوغيه، فقبلهم وأحسن إليهم وأنزلهم في حوزته وزوج واحدا منهم اسمه طاز بن منجك بابنته.
فأرسل طقطا يطلبهم منه، فمنعهم عنه، فأغضبه ذلك، وأرسل إليه رسولا وأصحبه: محراثا، وسهم نشاب، وقبضة من تراب، فلما جاء الرسول إليه وعرض ما معه عليه قال: إن لهذه الرسالة خبرا، ولهذا الزمن إشارة ورمزا، فجمع كبار قومه وذوي مشورته وقال: ما عندكم في هذا وما قصد طقطا بإرسال التراب والنشاب والمحراث؟ فقال كلا منهم مقالا، وجال في تأويلها مجالا. فقال: ما أصبتم القصد ولا أجدتم النقد، وأنا أخبركم بمراده وأعرفكم خبر فؤاده، أما المحراث فهو يقول: إن نزلتم إلى أسافل الأرض أطلعتكم بهذا المحراث، وأما النشابه فيقول: وإن طلعتم إلى الجو أنزلتكم بهذا السهم، وأما التراب فيقول: اختاروا لكم أرضا يكون فيها الملتقى، فعلموا أنه أصاب في تأويله وفهم فحوى رسالة طقطا ورسوله، فأعاد الرسول وقال: قل لطقطا إن خيلنا قد عطشت ونريد أن نسقيها من ماء تن وهو نهر على مقام صراي وفيه منازل طقطا.
فعاد الرسول بالجواب، فاستعد طقطا وجمع جنوده، وأعد حشوده، وسار للقائه، وبلغ نوغيه وأولاده مسيره إليه وعزمه حربه، فجمع العساكر التي عنده والتوامين التي تحت حكمه، والمقدمين الذين هم إليه مضافون وبه مقتادون، وهم: طاز بن منجك وهو زوج ابنته، وطنغر بن قجان، وأباجى ابن قرمشى، وقراجين أخوه، ومنجى أخوهما، وماجى، وسدن، وألاج، وصنغى، وقوشب، وصلغاى، واشق، وكبجك، وشبتكاى، وتركرى، وقطلوبغا، ومغلطاى، ومعهم ما ينيف عن مائتى ألف فارس.
وسار كل منهما لقصد صاحبه، فالتقوا على نهر يصل بين مقام طقطا ومقام نوغيه، فكانت الكسرة على طقطا وعسكره وانهزموا، وانتهت بهم الهزيمة إلى نهر تن فمنهم من عبره فسلم، ومنهم من هوى فيه فغرق، وأمر نوغيه عساكره أن لا يتبعوا موليا، ولا يجهزوا على جريح، وأخذ الغنائم والسبايا والأسلاب وعاد إلى مكانه.